وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ فَأَشْبَهَ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ لِارْتِفَاعِ الْأُولَى بِالتَّكْفِيرِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيِ السَّجْدَةِ.
أَكْمَلُ ارْتِفَاقٍ يَكُونُ بِالْقَصِّ، وَقَصُّ يَدٍ وَاحِدَةٍ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَفِيهِ الدَّمُ أَيْضًا، فَقَصُّ الْكُلِّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَلُبْسِ كُلِّ الثِّيَابِ وَحَلْقِ شَعْرِ كُلِّ الْبَدَنِ فِي مَجْلِسٍ لَا يُوجِبُ غَيْرَ دَمٍ وَاحِدٍ. (فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسِ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الْكَفَّارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ حَتَّى لَزِمَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ فَأَشْبَهَتْ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَاتُ بِالْفِطْرِ وَلَمْ يُكَفِّرْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَفَّرَ لِلسَّابِقَةِ كَفَّرَ لِلَّاحِقَةِ كَذَا هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَصَّ فِي كُلِّ مَجْلِسِ طَرَفًا مِنْ أَرْبَعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ) خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةِ، وَالْمُثْبِتُ لَهَا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ شَرْعًا مَعَ الْأَعْذَارِ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَعْذَارَ مُسْقِطَةٌ لِلْعُقُوبَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَخْفَى أَنَّ لَازِمَ تَرَجُّحِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ عَدَمُ التَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْجُودِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ مُوجِبٌ آخَرُ كَمَا أَوْجَبَهُ فِي آيِ السَّجْدَةِ لُزُومُ الْحَرَجِ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ وَلَا مُوجِبُ هُنَا. وَالْإِلْحَاقُ بِآيِ السَّجْدَةِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ فِي تَقَيُّدِ التَّدَاخُلِ بِالْمَجْلِسِ لَا فِي إثْبَاتِ التَّدَاخُلِ نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ بِلَا جَامِعٍ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ فِي الْأَصْلِ: أَعْنِي آيَ السَّجْدَةِ لُزُومُ الْحَرَجِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُسْتَمِرَّةٌ بِتَكْرَارِ الْآيَاتِ لِلدِّرَايَةِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ لِلِاتِّعَاظِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَتَدَاخَلْ لَزِمَ الْحَرَجُ، غَيْرَ أَنَّ مَا تَنْدَفِعُ هَذِهِ الْحَاجَاتُ بِهِ مِنْ التَّكْرَارِ يَكُونُ غَالِبًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَتَقَيَّدَ التَّدَاخُلُ بِهِ، وَلَيْسَ سَبَبُ لُزُومِ الْحَرَجِ لَوْلَا التَّدَاخُلُ هُنَا قَائِمًا، إذْ لَا دَاعِيَ لِمَنْ أَرَادَ قَصَّ أَظْفَارِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى تَفْرِيقِ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ فَلَا عَادَةَ مُسْتَمِرَّةَ فِي ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ يَلْزَمُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ التَّدَاخُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute