(وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) إقَامَةٌ لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ (وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) مَعْنَاهُ تَجِبُ بِكُلِّ ظُفُرٍ صَدَقَةٌ. وَقَالَ زَفَرٌ ﵀: يَجِبُ الدَّمُ بِقَصِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا. وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِهِ وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ، فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى (وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ مُحَمَّدٌ): ﵀ (عَلَيْهِ دَمٌ) اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ
عَلَى تَقْدِيرِ قَصِّ كُلِّ طَرَفٍ فِي مَجْلِسٍ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعٌ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَصَّ إحْدَى يَدَيْهِ ثُمَّ الْأُخْرَى فِي الْمَجْلِسِ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَإِبْطَيْهِ أَوْ جَامَعَ مِرَارًا قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجَالِسُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِيهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ فِي تَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ أَيْضًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأُولَى وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطِّيبِ اعْتَبَرَهُ بِمَا لَوْ حَلَقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ رُبُعَ رَأْسِهِ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ رُبُعَهُ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى حَلَقَ كُلَّهُ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي الْحَلْقِ وَاحِدَةٌ؛ لِاتِّحَادِ مَحَلِّهَا وَهُوَ الرَّأْسُ.
(قَوْلُهُ: إقَامَةٌ لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ) أَيْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ حَلْقَ رُبُعٍ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ إنَّمَا فِيهِ الصَّدَقَةُ. فَإِنْ قِيلَ: إلْحَاقُ الرُّبُعِ مِنْ الرَّأْسِ بِكُلِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعْتَادٌ وَالْمُعْتَادُ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ لَيْسَ الِاقْتِصَارُ عَلَى طَرَفٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ هَذَا الْإِلْحَاقُ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَامِعِ؟. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَامِعَ إنَّمَا هُوَ كَمَالُ الِارْتِفَاقِ لَا الِاعْتِيَادُ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ يَتَرَدَّدُ فِي حُصُولِهِ بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ أَثْبَتَهُ بِالْعَادَةِ إذْ الْقَصْدُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لِمَنْ يَقْصِدُهُ لَيْسَ إلَّا لِنَيْلِ الِارْتِفَاقِ لَا أَنَّهَا هِيَ الْمَنَاطُ لِلُّزُومِ الدَّمِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدْنَى كَمَالِ الِارْتِفَاقِ يَحْصُلُ بِقَلْمِ تَمَامِ يَدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْيَدَيْنِ أَكْمَلَ وَفِي الْكُلِّ أَكْمَلَ مِنْ هَذَا فَيَثْبُتُ بِهِ الدَّمُ، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَادٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى) كَلَامٌ خَطَابِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ: أَيْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَامَ أَكْثَرُ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute