للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِيَفَ. هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .

قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا الْقَتْلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ﴾ الْآيَةُ نَصٌّ عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ.

وَأَمَّا

﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ يَتَنَاوَلُ بِحَقِيقَتِهِ عُمُومَ مَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا صَيْدُ الْبَحْرِ فَيَحِلُّ اصْطِيَادُهُ لِلْحَالِّ وَالْمُحْرِمِ جَمِيعًا مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ، وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ.

وَأَمَّا مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاَلَّذِي رُخِّصَ لِلْمُحْرِمِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ هُوَ السَّمَكُ خَاصَّةً، فَأَمَّا طَيْرُ الْبَحْرِ فَلَا يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْمُحْرِمِ، فَقَدْ شَرَحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا يُفِيدُ تَعْمِيمَ الْإِبَاحَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُقَابِلُ الْمَائِيَّ بِالسَّمَكِ، فَالضُّفْدَعُ جَعَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَاضِي خَانْ. وَيَنْبَغِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْحِلِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ. هَذَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ بَعْضُهُ كَالذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ، وَأَمَّا بَاقِي الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَأَمَّا بَاقِي السِّبَاعِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ لَا يُجَاوِزُ شَاةً إنْ ابْتَدَأَهَا الْمُحْرِمُ، فَإِنْ ابْتَدَأَتْهُ بِالْأَذَى فَقَتَلَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي.

وَأَمَّا صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَقَسَّمَ الْبَرِّيَّ إلَى مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي إلَى مَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ، فَلَا يَحِلُّ قَتْلُ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ إلَّا أَنْ يَصُولَ. وَيَحِلُّ قَتْلُ الثَّانِي وَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَصُلْ. وَجَعَلَ وُرُودَ النَّصِّ فِي الْفَوَاسِقِ وُرُودًا فِيهَا دَلَالَةٌ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا بَلْ ذَكَرَهُ حُكْمًا مُبْتَدَأً مَسْكُوتًا فِيهِ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ. وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ الْأَسْعَدُ بِالْوَجْهِ فِيمَا يَأْتِي هَذَا.

وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ حَفِيرَةً فَعَطِبَ صَيْدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ. وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ فَمَاتَ، أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ لِحَيَوَانٍ مُبَاحٍ قَتْلُهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَالٌّ فَتَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ.

وَكَذَا لَوْ طَرَدَ الصَّيْدَ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّمْيَ: يَعْنِي لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّهُ تَمَّتْ جِنَايَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ. قَالَ الشَّهِيدُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَفِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا مَا لَوْ انْقَلَبَ مُحْرِمٌ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>