الدَّلَالَةُ فَفِيهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ﵀. هُوَ يَقُولُ: الْجَزَاءُ تَعَلَّقَ بِالْقَتْلِ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ، فَأَشْبَهَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ حَلَالًا. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ﵁.
لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ التَّعَدِّي وَمِثْلُهُ الْكَلْبُ لَوْ زَجَرَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اسْتِحْسَانًا. وَمِثْلُهُ لَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَزَجَرَهُ مُحْرِمٌ فَانْزَجَرَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَا يُؤْكَلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفْضَ إحْرَامِهِ فِي الْأَصْلِ. وَلَوْ أَصَابَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا كَثِيرًا عَلَى قَصْدِ الْإِحْلَالِ وَالرَّفْضِ لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ جَزَاءُ كُلِّ صَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُهُ مُوجِبُ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ رَفْضَ الْإِحْرَامِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ قَصْدَهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ بِهِ الْإِحْرَامُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَقُلْنَا: إنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَارْتِكَابُ مَحْظُورَاتِ الْعِبَادَةِ يُوجِبُ ارْتِفَاضَهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْإِحْرَامَ لَازِمًا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَعْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ لَازِمًا كَانَ يُرْتَفَضُ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ. وَكَذَا الْأَمَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَازِمًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ كَانَ لَهُ أَنْ يُحْلِلَهَا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَكَانَ هُوَ فِي قَتْلِ الصُّيُودِ هُنَا قَاصِدًا إلَى تَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ لَا إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَتَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا كَمَا فِي الْمُحْصِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْجِنَايَةَ عَلَى الْإِحْرَامِ بِقَتْلِ كُلِّ صَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ جَزَاءُ كُلِّ صَيْدٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ يَنْبَنِي عَلَى قَصْدِهِ، حَتَّى إنَّ ضَارِبَ الْفُسْطَاطِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْجَزَاءِ، بِخِلَافِ نَاصِبِ الشَّبَكَةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَتَعَدَّى إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ اضْطَرَبَ بِالسَّهْمِ فَوَقَعَ عَلَى بَيْضَةٍ أَوْ فَرْخٍ فَأَتْلَفَهَا لَزِمَاهُ جَمِيعًا. وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً نَزَلُوا بَيْتًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى مِنًى فَأَمَرُوا أَحَدَهُمْ أَنْ يُغْلِقَ الْبَابَ وَفِيهِ حَمَامٌ مِنْ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا، فَلَمَّا رَجَعُوا وَجَدُوهَا مَاتَتْ عَطَشًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْآمِرِينَ تَسَبَّبُوا بِالْأَمْرِ وَالْمُغْلِقَ بِالْإِغْلَاقِ. وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ ضَمِنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ آخَرُ ضَمِنَ.
(قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ حَلَالًا) كَوْنُ الْمَدْلُولِ حَلَالًا اتِّفَاقِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ غَيْرُهُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِحُلُولِهِ فِي الْحَرَمِ كَمَا اسْتَحَقَّ الصَّيْدُ مُطْلَقًا الْأَمْنَ بِالْإِحْرَامِ، فَكَمَا أَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْحَرَمِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ كَذَا تَفْوِيتُ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِحْرَامِ لَا يُوجِبُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) أَيْ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ هَلْ دَلَلْتُمْ بَلْ قَالَ ﵊ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute