للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ عَطَاءٌ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِ الْجَزَاءَ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ

عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَهِيَ تُحَصِّلُ الدَّلَالَةَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ إذَا دَلَّهُ بِاللَّفْظِ فَقَالَ هُنَاكَ صَيْدٌ وَنَحْوُهُ.

قَالُوا: الثَّابِتُ بِالْحَدِيثِ حُرْمَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ. قُلْنَا: فَيَثْبُتُ أَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ مَحْظُورُ إحْرَامٍ هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّيْدِ فَنَقُولُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ عَلَى وَجْهٍ اتَّصَلَ قَتْلُهُ عَنْهَا فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْقَتْلِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَحْسُنُ عَطْفُهُ عَلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُثْبِتْ الْحُكْمَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَلْ مَحَلُّ الْحُكْمِ، ثُمَّ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَتْلِ. وَعَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْقِيَاسِ الْآخَرِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ إلْحَاقُ الدَّالِّ بِالْمُودَعِ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ وَلَيْسَ النَّاسُ إذْ ذَاكَ إلَّا الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنْ لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ عَلَى دَالٍّ لَمْ يَقَعْ عَنْ دَلَالَتِهِ قَتْلٌ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّلَالَةِ مُوجِبَةٌ لِلْجَزَاءِ. هَذَا وَحَدِيثُ عَطَاءٍ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا يَتَضَمَّنُ رَدَّ الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (قَوْلُهُ: كَالْمُودَعِ) هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْآخَرُ.

وَتَقْرِيرُهُ اُلْتُزِمَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ بِعَقْدٍ خَاصٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ عَنْ تَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ، كَالْمُودَعِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ الْحِفْظَ كَذَلِكَ فَيَضْمَنُ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهَا، بِخِلَافِ الْحَلَالِ الَّذِي قَاسَ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا لِلْمُسْلِمِ بِعَقْدٍ خَاصٍّ بَلْ بِعُمُومِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>