فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَخْتَلِفُ.
إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَقْتُلُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ بِإِعَارَتِهِ لَهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي السِّيَرِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوَجْهَيْنِ حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ تَلِفَ بِأَخْذِ الْمُسْتَعِيرِ لِلصَّيْدِ فَأَخْذُهُ قَتْلٌ حُكْمًا ثُمَّ يَقْتُلُهُ حَقِيقَةً، وَإِعَارَةُ السِّكِّينِ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ إتْلَافٌ لِمَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ أَعْلَمَ بِهِ مَنْ لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ إعَارَةَ السِّكِّينِ تَتِمُّ بِالسِّكِّينِ لَا بِالصَّيْدِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْدٌ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالصَّيْدِ لَيْسَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى سِوَى ذَلِكَ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِصَيْدٍ هُنَاكَ وَلِذَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِهَا. وَلَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ صَيْدٍ فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَثَّلْ أَمْرَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْأَمْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ وَأَمَرَهُ فَأَمَرَ الثَّانِي ثَالِثًا بِالْقَتْلِ حَيْثُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ؛ فَلَوْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا إلَى مُحْرِمٍ يَدُلُّهُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْجَزَاءُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ صَيْدٌ فَإِذَا صَيْدٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَهُ ضَمِنَ الدَّالُّ كُلَّهُ، فَلَوْ رَأَى وَاحِدًا فَدَلَّ عَلَيْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُمَا الْمَدْلُولُ كَانَ عَلَى الدَّالِّ جَزَاءُ الْأَوَّلِ فَقَطْ. كَمَا لَوْ دَلَّهُ عَلَى وَاحِدٍ تَنْصِيصًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ.
وَلَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ وَهُوَ يَرَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا كَانَ عَلَى الدَّالِّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُمَا فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِ أَحَدِهِمَا دَالٌّ عَلَى الْآخَرِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الضَّمَانَ يَدُورُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute