لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِي صِغَارُ النَّعَمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ أَوْجَبُوا عَنَاقًا وَجَفْرَةً.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الصِّغَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ: يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ. وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الطَّعَامِ يُقَوَّمُ الْمُتْلَفُ بِالطَّعَامِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَضْمُونُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (وَإِذَا اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا تَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ)؛ لِأَنَّ
أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا عَنَاقًا وَجَفْرَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَمُطْلَقُهُ فِي الشَّرْعِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَبْلُغُ ذَلِكَ السِّنَّ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنْ إطْلَاقِهِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا مَجَازًا فَيَتَقَيَّدُ جَوَازُ اعْتِبَارِهِ بِالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ ثَوْبِي هَدْيٌ لَزِمَهُ الثَّوْبُ لِتَقَيُّدِ الْهَدْيِ بِذِكْرِهِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ هَدْيٌ لَزِمَهُ شَاةٌ. ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْهَدْيَ وَبَلَغَ مَا يُضَحِّي بِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يُذْبَحُ إلَّا بِمَكَّةَ، يُرِيدُ الْحَرَمَ مُطْلَقًا، وَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يُجْزِيهِ مِنْ الْهَدْيِ بَلْ مِنْ الْإِطْعَامِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَيُكَمِّلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالشَّاةِ الْوَاقِعَةِ هَدْيًا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ الصِّغَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ جَوَابَهُمَا: يَعْنِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُقُوعُ الصِّغَارِ هَدْيًا تَتَعَلَّقُ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِنَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِرَاقَةِ لَا جَوَازِهَا مُطْلَقًا بَلْ نُجِيزُهَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إطْعَامًا فَيَجُوزُ كَوْنُ حُكْمِ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي الصِّغَارِ، فَمُجَرَّدُ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لَا يُنَافِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَلَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا صَيْرُورَةُ وَلَدِ الْهَدْيِ هَدْيًا فَلِلتَّبَعِيَّةِ كَوَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) قُيِّدَ بِالظَّرْفِ لِنَفْيِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُقَوَّمُ النَّظِيرُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَيْنًا إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ نَظِيرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) رَاجِعٌ إلَى الْمُتْلَفِ: يَعْنِي الْمُتْلَفَ (هُوَ الْمَضْمُونُ) فَلَا مَعْنَى لِتَقَوُّمِ غَيْرِهِ لِجَبْرِهِ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ النَّظِيرَ هُوَ الْوَاجِبُ عَيْنًا عِنْدَ اخْتِيَارِ الْهَدْيِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ وُجُوبُ تَقْوِيمِهِ عِنْدَ اخْتِيَارِ خَصْلَةٍ أُخْرَى فَكَيْفَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ) وَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَكْثَرَ، وَلَوْ كَانَ كُلَّ الطَّعَامِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَ بِحِسَابِهِ وَيَقَعَ الْبَاقِي تَطَوُّعًا، بِخِلَافِ الشَّاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute