الطَّعَامَ الْمَذْكُورَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ (وَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا)؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الصِّيَامِ بِالْمَقْتُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ لَا قِيمَةَ لِلصِّيَامِ فَقَدَّرْنَاهُ بِالطَّعَامِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي بَابِ الْفِدْيَةِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا)؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ يُطْعِمُ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا لِمَا قُلْنَا.
(وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَلَوْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَخَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ جَزَاءَهُ.
(وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃، وَلِأَنَّهُ أَصْلُ
فِي الْهَدْيِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْقُرْبَةِ قَدْ حَصَلَتْ بِالْإِرَاقَةِ وَإِطْعَامُهُ تَبَعٌ مُتَمِّمٌ لَهُ.
(قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ) وَإِنْ بَرِئَ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ أَوْ بَرِئَ فَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ مَا نَقَصَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ احْتِيَاطًا كَمَنْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلَا يَعْلَمُ أَدْخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ أَوْ نَتَفَ شَعْرَ صَيْدٍ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهَا فَابْيَضَّتْ ثُمَّ انْجَلَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاعْتِبَارِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْأَلَمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْأَلَمِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعِبَادِ حَتَّى أَوْجَبَ عَلَى الْجَانِي ثَمَنَ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إلَى أَنْ يَنْدَمِلَ.
وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ: لَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَمَرِضَ فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ زَادَتْ ثُمَّ مَاتَ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَةِ وَقْتِ الْجُرْحِ أَوْ وَقْتِ الْمَوْتِ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَكَفَّرَ ثُمَّ قَتَلَهُ كَفَّرَ أُخْرَى، فَلَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى سَاقِطٌ. وَفِي الْجَامِعِ: مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ جَرَحَ صَيْدًا غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ ثُمَّ أَضَافَ إلَى عُمْرَتِهِ حَجَّةً ثُمَّ جَرَحَهُ كَذَلِكَ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا وَلِلْحَجِّ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ جَرَحَهُ ثُمَّ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَلِلْحَجِّ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ قَرَنَ ثُمَّ جَرَحَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَلِلْقِرَانِ قِيمَتَانِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسْتَهْلَكًا بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ وَالثَّانِي غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا لِلْحَالِ وَلِلْقِرَانِ قِيمَتَانِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي قَطْعَ يَدٍ أُخْرَى فَهِيَ وَمَا لَوْ كَانَ جُرْحًا غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِهْلَاكُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ) يَعْنِي وَكَانَ كَالْإِتْلَافِ، فَهَذَا كَالْقِيَاسِ الْجَارِي فِي الدَّلَالَةِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ أَدَّى الْجَزَاءَ ثُمَّ قَتَلَهُ لَزِمَهُ جَزَاءٌ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى قَتَلَهُ فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ خُصَيْفٍ بِهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِثْلَهُ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعًا، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَطَاوُسٍ، وَفِيهِ حَدِيثٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute