وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنَسَ وَالْمُتَوَحِّشَ مِنْهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ،
فَيَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمُوجِبِ لِلْإِلْحَاقِ فِي الدَّلَالَةِ.
وَاَلَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هُوَ كَوْنُهُنَّ مُبْتَدِئَاتٍ بِالْأَذَى، وَضَمَّ غَيْرُهُ إلَى ذَلِكَ مُخَالَطَتَهَا: يَعْنِي كَوْنَهَا تَعِيشُ بِالِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ، وَسَنَذْكُرُ لِهَذَا إتْمَامًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ) وَإِنْ كَانَ وَصْفُهُ بِالْعَقُورِ إيمَاءً إلَى الْعِلَّةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَذُكِرَ الْكَلْبُ مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِ بِالْعَقُورِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ وَصْفُهُ بِالْعُقُورِيَّةِ يُرَادُ بِهِ الْكَلْبُ الْوَحْشِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقُورًا مُبْتَدِئًا بِالْأَذَى، فَأَفَادَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَيْدًا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ عَقُورًا، وَيَكُونُ مَا فِي الْمَرَاسِيلِ تَعْمِيمُ النَّوْعِ بِنَفْيِ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ صِنْفَيْهِ مُؤْذٍ وَهُوَ الصَّيْدُ، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِصَيْدٍ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَحْشِيًّا وَبَعْضُهُ لَا. فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ وَادُّعِيَ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ فِطْرَتَهُ فِي الْوَحْشِيَّةِ وَعَدَمِهَا شَامِلَةٌ، لِكُلِّ أَفْرَادِهِ ثُمَّ يَعْرِضُ لِبَعْضِهَا خِلَافُ الطَّبْعِ الْأَصْلِيِّ مِنْ التَّوَحُّشِ وَالِاسْتِئْنَاسِ. قُلْنَا عَلَى التَّنَزُّلِ نَخْتَارُ أَنَّ جِنْسَ الْكَلْبِ غَيْرُ وَحْشِيٍّ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَحْشِيٌّ فَالتَّوَحُّشُ عَارِضٌ لَهُ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَجِبَ بِقَتْلِ شَيْءٍ مِنْهُ جَزَاءٌ.
وَفَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى وَصْفٍ بِخُصُوصِهِ بِنَفْيِ الْجَزَاءِ: أَعْنِي مَا هُوَ مَعْرُوضُ التَّوَحُّشِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّهُ وَحْشِيٌّ بِالْأَصَالَةِ فَيَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَحْشِيًّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ عَقُورًا، عَلَى أَنَّ الْحَقَّ جَوَازُ الِانْقِسَامِ. وَقَوْلُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute