وَلَنَا أَنَّ السَّبْعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ، وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ إمَّا لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصْطَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ،
اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ». (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ) هَذَا زِيَادَةُ قَيْدٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَعْرِيفِهِ السَّابِقِ فَيَلْزَمُ إمَّا فَسَادُ السَّابِقِ أَوْ هَذَا اللَّاحِقِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ) الْعَدَدُ الْمَنْصُوصُ هُوَ الْخَمْسُ فَيَلْزَمُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِهِ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى شَرْعًا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ فَيَبْطُلُ الْعَدَدُ: أَيْ يَنْتَفِي فَائِدَةُ تَخْصِيصِ اسْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ الْمُحِيطَةِ بِالْمُلْحَقِ وَغَيْرِهِ أَوْ الْإِطْلَاقِ: أَعْنِي ذِكْرَهُ بِاسْمٍ عَامٍّ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يُقْتَلُ كُلُّ عَادٍ مُنْتَهِبٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ مِثْلَهُ يَلْزَمُ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ فَيُقَالُ مَثَلًا: لَوْ جَازَ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لَمْ يَبْقَ لِذِكْرِ الْمُؤْمِنَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ فَائِدَةٌ، وَكَذَا فِي الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْطِ وَسَائِرِ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالِفَةِ، فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ بِعَيْنِهِ جَوَابُنَا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ عَدَدَ الْخَمْسِ قَدْ تَحَقَّقَ عَدَمُ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَفُرِغَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ النَّصُّ عَلَى الذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ لَمْ يُنَصَّ فِي صَدْرِهَا عَلَى عَدَدٍ بَلْ قَالَ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَثَبَتَ عَدَمُ إرَادَةِ قَصْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْخَمْسِ فَانْفَتَحَ بَابُ الْقِيَاسِ، إذْ حَدِيثُ الْفَوَاسِقِ تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ، وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ يُعَلِّلُ وَيُلْحَقُ بِمَا أَخْرَجَهُ مَا تُخْرِجُهُ الْعِلَّةُ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ ﵀ جَوَّزَ إلْحَاقَ الذِّئْبِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَبْطُلُ أَيْضًا الْعَدَدُ.
وَكَوْنُ الثَّابِتِ دَلَالَةً ثَابِتًا بِالنَّصِّ لَا يَخْرُجُ بِهِ الْحَالُ عَنْ أَنَّهُ بَطَلَ خُصُوصُ الْخَمْسِ. وَيَجِيءُ فِيهِ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَذَكَرَ عَدَدًا يُحِيطُ بِهِ مَعَهَا فَيَقُولُ سِتٌّ مِنْ الْفَوَاسِقِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْإِلْحَاقَ بِالدَّلَالَةِ لَا بُدَّ فِيهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَعْنًى جَامِعٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ سِوَى عَلَى فَهْمِ اللُّغَةِ دُونَ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَلِذَا سَمَّاهُ كَثِيرٌ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَنُسَمِّيهِ نَحْنُ الثَّابِتَ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَمَا عَيَّنْتُمُوهُ مِنْ قَوْلِكُمْ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدِئَاتٌ بِالْأَذَى وَنَحْوِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي إلْحَاقِ الذِّئْبِ فَهُوَ الَّذِي يَلْحَقُ بِاعْتِبَارِ سَائِرِ السِّبَاعِ، فَإِنْ سَمَّيْتُمْ ذَلِكَ دَلَالَةً فَهَذَا أَيْضًا دَلَالَةٌ. وَأَمَّا رَابِعًا فَإِنَّا لَمْ نُخْرِجْهُ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «وَكُلُّ سَبُعٍ عَادٍ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
فَإِنْ قِيلَ: نَقُولُ مِنْ الرَّأْسِ يَخْرُجُ مَجْمُوعُ مَا نُصَّ عَلَى إخْرَاجِهِ وَهُوَ الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ وَالْغُرَابُ وَالذِّئْبُ وَالْحِدَأَةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي حَالَةِ اعْتِدَائِهِ وَهُوَ مَا إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةً اسْمُ الْفَاعِلِ، وَبِهِ نَقُول: إنَّهُ إذَا صَالَ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، ثُمَّ نَمْنَعُ الْإِلْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَاسِخٌ عَلَى أُصُولِنَا لَا مُخَصِّصٌ لِاشْتِرَاطِنَا الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ، فَمَا لَمْ يُقَارَنْ بِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مُرَادًا، فَإِذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ كَانَ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْفَرْدِ الْمُخْرَجِ، وَالتَّخْصِيصُ بَيَانُ عَدَمِ إرَادَةِ الْمُخْرَجِ، وَإِذَا كَانَ نَاسِخًا عِنْدَنَا فَلَا يَلْحَقُ إذْ لَا نَسْخَ بِالْقِيَاسِ.
قُلْنَا: لَا نُخْرِجُ بَلْ بِالْقِيَاسِ بِالدَّلَالَةِ، فَإِنْ أَخَذْتُمْ فِي الْجَامِعِ الدَّلَالِيِّ كَوْنَهَا تَعِيشُ مُخَالِطَةً بِالِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute