للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَجُوسِيِّ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الْمَيْزِ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ تَيْسِيرًا فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهِ

قَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْإِقَامَةِ مَقَامَ الْمَيْزِ، ثُمَّ نُفِيَ الثَّانِي فَيَنْتَفِي الْأَوَّلُ: أَعْنِي الْمَشْرُوعِيَّةَ وَهُوَ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ فَيَنْعَدِمُ الْمَشْرُوعُ لِانْعِدَامِهِ: أَيْ لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ الَّذِي أُقِيمَ، وَنَحْنُ إلَى غَيْرِ هَذَا الْكَلَامِ أَحْوَجُ فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ.

فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا إثْبَاتُ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ وَهَذَا فِعْلٌ حَرَامٌ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً عِنْدَهُ لَا يَنْتَهِضُ الْمَذْكُورُ مُثْبِتًا لَهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا مَنَعَ الْحُرْمَةَ مَنَعَ عَدَمَ الْإِقَامَةِ مُقَامَ الْمَيْزِ لَكِنَّهَا مُسَلَّمَةٌ، وَنَحْنُ نَحْتَاجُ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُرْمَةِ الْفِعْلِ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَتِهِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ اللَّحْمِ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ الْغَيْرِ لَا بِإِذْنِهِ لَا يَصِيرُ لَهَا حُكْمُ الْمَيْتَةِ مَعَ حُرْمَةِ الْفِعْلِ فَيُقَالُ: وَهَذَا فِعْلٌ حِسِّيٌّ مُحَرَّمٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِقُبْحٍ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ أَنَّهُ يُضَافُ الْقُبْحُ إلَى عَيْنِهَا؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا فِي ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ، وَنَعْنِي بِثُبُوتِ الْقُبْحِ لِذَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا ذُبِحَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ هُوَ أَنْ يَأْكُلَهُ كَوْنَ الشَّرْعِ اعْتَبَرَهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ عَبَثًا حَيْثُ أَخْرَجَ الذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَذْبُوحَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ فَصَارَ فِعْلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَكَانَ عَبَثًا بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ، كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ عَاقِلٌ بِذَبْحِ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ جُنُونًا أَوْ سُخْرِيَةً، بِخِلَافِ شَاةِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إخْرَاجُهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ الذَّبْحِ شَرْعًا لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَلَمْ يُعَدَّ عَبَثًا شَرْعًا.

وَإِذَا صَارَ ذَبْحُ الْمُحْرِمِ عَبَثًا شَرْعًا صَارَ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ فَلَا يُفِيدُ حُكْمَ الْحِلِّ فِيمَا كَانَ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ: أَعْنِي الصَّيْدَ قَبْلَ ذَبْحِهِ. بَقِيَ دَلِيلُ الْإِخْرَاجَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ يُفِيدُهُمَا وقَوْله تَعَالَى ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ يُفِيدُ إخْرَاجَ الْمُحْرِمِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الذَّبْحِ فَقَطْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الْعَيْنِ وَهِيَ تُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنْ تُضَافَ الْأَحْكَامُ إلَى أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى الْعَيْنِ كَانَ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُرْمَةِ بِالْأَصَالَةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ نَفْسَ هَذَا الْعَيْنِ حَرَامًا وَنَفْسُ الْحَرَامِ لَا يَقْتَرِبُ مِنْهُ فَكَانَ مَنْعًا عَنْ الِاقْتِرَابِ مِنْهُ نَفْسِهِ، وَهَذَا إخْرَاجُهُ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ.

وَلَوْ قُلْنَا إنَّ إضَافَتَهُ إلَى الْعَيْنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَجَازًا عَقْلِيًّا لَمْ يَضُرَّنَا، إذْ الْعُدُولُ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْفِعْلِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِ الْعَيْنِ سَبَبُهُ مَا قُلْنَا. وَأَفَادَ الثَّانِي أَنَّ التَّحْرِيمَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الذَّابِحِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَأَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْإِحْرَامُ هُوَ السَّبَبُ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى التَّحْقِيقِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>