للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

(وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ)؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِسَبَبِ الْحَرَمِ.

فَأَمَرَنَا بِأَكْلِهِ " مُقَيَّدٌ عِنْدَنَا بِمَا إذَا لَمْ يَدُلَّهُ الْمُحْرِمُ وَلَا أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْمُصَنِّفِ إعْمَالًا لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُصَدْ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ لِدُخُولِ الظَّنِّيَّةِ فِي دَلَالَتِهِ.

وَحَدِيثُ الزُّبَيْرِ حَاصِلُهُ نَقْلُ وَقَائِعِ أَحْوَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَيَجُوزُ كَوْنُ مَا كَانُوا يَحْمِلُونَهُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ لِلتَّزَوُّدِ مِمَّا لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِينَ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَزَوَّدُونَهُ مِنْ الْحَضَرِ ظَاهِرًا، وَالْإِحْرَامُ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ، فَالْأَوْلَى بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَصْلِ الْمَطْلُوبِ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ لَمْ يُجِبْ بِحِلِّهِ لَهُمْ حَتَّى سَأَلَهُمْ عَنْ مَوَانِعِ الْحِلِّ أَكَانَتْ مَوْجُودَةً أَمْ لَا، فَقَالَ «أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوا إذًا» فَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَوَانِعِ أَنْ يُصَادَ لَهُمْ لَنَظَمَهُ فِي سِلْكِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْهَا فِي التَّفَحُّصِ عَنْ الْمَوَانِعِ لِيُجِيبَ بِالْحُكْمِ عِنْدَ خُلُوِّهِ عَنْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى كَالصَّرِيحِ فِي نَفْيِ كَوْنِ الِاصْطِيَادِ لِلْمُحْرِمِ مَانِعًا فَيُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ ثُبُوتِهِ، إذْ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ قِيلَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لَحْمُ الصَّيْدِ إلَخْ انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَكَذَا فِي رِجَالِهِ مَنْ فِيهِ لِينٌ. وَبَعْدَ ثُبُوتِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّأْوِيلِ هَذَا.

وَيُعَارِضُ الْكُلَّ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ لَحْمَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: رِجْلَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: عَجُزَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: شِقَّ حِمَارٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صِيدَ لَهُ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ مَذْهَبٌ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ ، أَخْرَجَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ . وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ مَالِكٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَهْدَى لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارٍ: يَعْنِي فَيَكُونُ رَدُّهُ امْتِنَاعُ تَمَلُّكِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مَنْعٌ بِأَنَّ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِجْلِ حِمَارٍ وَعَجُزِهِ وَشِقِّهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، إذْ يَنْدَفِعُ بِإِرَادَةِ رِجْلٍ مَعَهَا الْفَخِذُ وَبَعْضُ جَانِبِ الذَّبِيحَةِ فَوَجَبَ حَمْلُ رِوَايَةِ أَهْدَى حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِتَعَيُّنِهِ لِامْتِنَاعِ عَكْسِهِ، إذْ إطْلَاقُ الرِّجْلِ عَلَى كُلِّ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَعْهُودٍ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى زَيْدٍ أُصْبُعٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ التَّلَازُمُ كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا إنْسَانَ دُونَهُمَا، بِخِلَافِ نَحْوِ الرِّجْلِ وَالظُّفُرِ. وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّبِيئَةِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إنْسَانٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَقِيبٌ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِلَا عَيْنٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّحْقِيقَاتِ، أَوْ هُوَ أَحَدُ مَعَانِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ كَمَا عَدَّهُ لِأَكْثَرَ مِنْهَا.

ثُمَّ إنَّ فِي هَذَا الْحَمْلِ تَرْجِيحًا لِلْأَكْثَرِ أَوْ نَحْكُمُ بِغَلَطِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ رَجَعَ عَنْهَا تَبَيُّنًا لِغَلَطِهِ. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ: «أَهْدَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ»، وَرُبَّمَا قَالَ: يَقْطُرُ دَمًا، وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، وَكَانَ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>