(فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَةً لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا ثَبَتَتْ بِسَبَبِ الْحَرَمِ، قَالَ ﵊
مُسْتَقِلٌّ بِسَبَبِيَّةِ إيجَابِ الْجَزَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لَوْ رَمَاهُ مِنْ بَعِيدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَالْأَخْذُ قَدْ يَكُونُ شَرْطًا حِسِّيًّا لِلْقَتْلِ وَقَدْ لَا يَكُونُ، إلَّا أَنَّ مُبَاشَرَةَ الشَّرْطِ فِي الْإِتْلَافِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ وَالْعِلَّةُ ثِقَلُ الْوَاقِعِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَسْقُطُ سُؤَالَانِ: كَيْفَ يَرْجِعُ وَلَمْ يُفَوِّتْ يَدًا مُحْتَرَمَةً وَلَا مِلْكًا؟. وَأَيْضًا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْمِلْكِ لَا يَضْمَنُ مُسْتَهْلِكُهُ وَإِنْ جَنَى مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ إذَا غَصَبَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ فَاسْتَهْلَكَهُ مُسْلِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ الْآخِذُ لِلذِّمِّيِّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ؟. فَالْجَوَابُ أَنَّ اتِّحَادَ اعْتِقَادِ سُقُوطِ تَقَوُّمِهَا مَنَعَ مِنْ رُجُوعِ الْمُسْلِمِ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَهْلِكِ. هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ كَيْفَ يَرْجِعُ وَهُوَ قَدْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ تُخْرَجُ بِالصَّوْمِ وَهُوَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِضَمَانٍ يَحْبِسُهُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا لَزِمَهُ؟.
وَأَجَابَ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفَاوُتِ لَا يُمْنَعُ كَالْأَبِ إذَا غَصَبَ مُدَبَّرَ ابْنِهِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ آخَرُ فَضَمَّنَ الِابْنُ أَبَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ. وَلِلْأَبِ أَنْ يَحْبِسَ مَنْ قَتَلَهُ فِي يَدِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانٍ يُفْتِي بِهِ وَضَمَانٍ يُقْضَى بِهِ. فَإِنَّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَا تَتَعَيَّنُ الْمُطَالَبَةُ. وَهَذَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَإِنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا كَفَّرَ بِالْمَالِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ.
وَأَصْلُ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ، وَالْأَمْنُ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِإِحْرَامِ الصَّائِدِ أَوْ دُخُولِهِ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ. أَوْ دُخُولِ الصَّيْدِ فِيهِ. وَأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ التَّفْوِيتُ لَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ فَلِذَا قُلْنَا: يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي إرْسَالِ الْحَلَالِ الصَّيْدَ فِي أَرْضِ الْحِلِّ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ، وَبِإِرْسَالِ الْمُحْرِمِ إيَّاهُ فِي جَوْفِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِهَذَا الْإِرْسَالِ مُمْتَنِعًا ظَاهِرًا، وَلِذَا لَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ حَلَالٌ كُرِهَ أَكْلُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) جَعَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute