«لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمَحَالِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا أَدَّاهَا مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ شَرْعًا، فَلَوْ أُطْلِقَ لَهُ فِي بَيْعِهِ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ، وَالْفَرْقُ مَا نَذْكُرُهُ. وَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً عَرَفْنَاهُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ.
جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الصَّوْمُ. وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَقَدْ جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَا شَيْءَ فِي الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُسْتَنْبَتُ عَادَةً أَوْ لَا، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ بَلْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ أَوْ لَا، فَلَا شَيْءَ فِي الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ، فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا. وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ دَلِيلٍ، فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ بِالنَّصِّ وَمَا أَنْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ وَالشَّوْكُ وَالْخَلَى. فَالْخَلَى وَالشَّجَرُ قَدَّمْنَاهُمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّوْكُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «أَنَّهُ ﵊ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، إلَى أَنْ قَالَ: لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» الْحَدِيثَ. فَالْخَلَى هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَأِ، وَكَذَا الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ، وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ.
وَأَمَّا الَّذِي نَبَتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبِتَهُ النَّاسُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ فَلَا أَدْرِي مَا الْمَخْرَجُ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ إخْرَاجَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ بِأَنَّ إنْبَاتَهُمْ يَقْطَعُ كَمَالَ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ. فَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ يَمْنَعُ كَمَالَ النِّسْبَةِ إلَيْهِ أُلْحِقَ بِمَا يُنْبِتُونَهُ، وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَكُلُّ مَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَرَمِ جَازَ إخْرَاجُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَحْجَارُ أَرْضِ الْحَرَمِ وَحَصَاهَا إلَّا أَنْ يُبَالِغَ فِي ذَلِكَ فَيَحْفِرَ كَثِيرًا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ أَوْ الدُّورِ فَيُمْنَعُ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ مَا نَذْكُرُهُ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ نَبَاتِ الْحَرَمِ إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَبَيْنَ الصَّيْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute