للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ الْحَجِّ فَكَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّ وَيَبْقَى مُحْرِمًا بِهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِغَيْرِهَا وَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْحَجِّ وَتَخْلِيصُ وَقْتِهِ لَهُ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئًا، وَتَأَيَّدَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لِفَائِتِ الْحَجِّ جُعِلَتْ شَرْعًا شَرْطًا لِلتَّحَلُّلِ، وَكَانَتْ كَالدَّمِ فِي الْمُحْصَرِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إلَخْ الْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ عَلَى الْمُحْصَرِ؛ لِكَوْنِهِ تَعَجَّلَ الْإِحْلَالَ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَهَذَا قَدْ حَلَّ بِالْأَعْمَالِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لَا مَا يَتَخَايَلُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ؛ لِيُقَالَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُحْصَرِ عُمْرَةٌ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ حِينَئِذٍ

. (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ. حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَنَافِعٌ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَالَ الْبَحْرُ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ: خَمْسَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَالثَّلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اعْتَمِرْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا مَا شِئْت. اهـ. هَذَا وَأَمَّا أَفْضَلُ أَوْقَاتِهَا فَرَمَضَانُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي طَرِيقٍ؛ لِمُسْلِمٍ «تُقْضَى حَجَّةً أَوْ حَجَّةٌ مَعِي» وَفِي رِوَايَةٍ؛ لِأَبِي دَاوُد «تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي» مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَكَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهَا الْحَجَّ الْأَصْغَرَ.

هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ الْوَعْدَ بِعَدَدِ عُمُرَاتِهِ فَنَقُولُ: قَدْ «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ أَرْبَعَ عُمُرَاتٍ كُلُّهُنَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ»، وَلَمْ يَعْتَمِرْ مُدَّةَ مُقَامَهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ شَيْئًا، وَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَنْ هَذَا ادَّعَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْعُمْرَةِ أَنْ تُفْعَلَ دَاخِلًا إلَى مَكَّةَ لَا خَارِجًا، بِأَنْ يَخْرُجَ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ إلَى الْحِلِّ فَيَعْتَمِرَ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَمْنُوعًا؛ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ، إحْرَامَهُ بِهِنَّ، فَأَمَّا مَا تَمَّ لَهُ مِنْهَا فَثَلَاثٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ عُمْرَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ فَلَمْ يَحْتَسِبْ بِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ»، كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ.

[الْأُولَى] عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ فَصُدَّ بِهَا فَنَحَرَ الْهَدْيَ بِهَا وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. [الثَّانِيَةُ] عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْحُدَيْبِيَةِ، هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>