. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ لَا قَضَاءٌ عَنْهَا، وَتَسْمِيَةُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ السَّلَفِ إيَّاهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ، وَتَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ إيَّاهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ لَا يَنْفِيهِ، فَإِنَّهُ اتَّفَقَ فِي الْأُولَى مُقَاضَاةُ النَّبِيِّ ﷺ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَدْخُلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا، وَهَذَا الْأَمْرُ قَضِيَّةٌ تَصِحُّ إضَافَةُ هَذِهِ الْعُمْرَةِ إلَيْهَا، فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ كَانَتْ عَنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَتَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا تَسْتَلْزِمُ الْإِضَافَةُ إلَى الْقَضِيَّةِ نَفْيَ الْقَضَاءِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْقَضَاءِ يُفِيدُ ثُبُوتَهُ فَيَثْبُتُ مُفِيدُ ثُبُوتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ.
وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ الثَّابِتُ فِيمَنْ شَرَعَ فِي إحْرَامٍ بِنُسُكٍ فَلَمْ يُتِمَّهُ لِإِحْصَارٍ فَحَلَّ أَنْ يَقْضِيَ وَهَذِهِ تَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ، وَعَدَمُ نَقْلِ أَنَّهُ ﵊ أَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْقَضَاءِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، بَلْ الْمُفِيدُ لَهُ نَقْلُ الْعَدَمِ لَا عَدَمُ النَّقْلِ. نَعَمْ هُوَ مِمَّا يُؤْنَسُ بِهِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ، لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الثَّابِتِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِمْ بِهِ وَقَضَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقِ عِلْمِهِمْ. [الثَّالِثَةُ] عُمْرَتُهُ الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجَّتِهِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا إثْبَاتَهُ مِنْ أَنَّهُ ﷺ حَجَّ قَارِنًا أَوْ الَّتِي تَمَتَّعَ بِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ حَجَّ مُتَمَتِّعًا، أَوْ الَّتِي اعْتَمَرَهَا فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ أَفْرَدَ وَاعْتَمَرَ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الرَّابِعِ.
[الرَّابِعَةُ] عُمْرَتُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَمَّا خَرَجَ ﷺ إلَى حُنَيْنٍ وَدَخَلَ بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ إلَى مَكَّةَ لَيْلًا وَخَرَجَ مِنْهَا لَيْلًا إلَى الْجِعْرَانَةِ فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَزَالَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ فِي الطَّرِيقِ، وَمِنْ ثَمَّةَ خَفِيَتْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. وَأَمَّا أَنَّهُنَّ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَلِمَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ «لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ». وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعَ عُمَرَ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ»: عُمْرَةٌ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ عُمْرَةِ الْقِرَانِ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَفِعْلُهَا كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَصَحَّ طَرِيقَا الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا بَلَغَهَا ذَلِكَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمْرَةً قَطُّ إلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ» فَقَدْ حَكَمَ الْحُفَّاظُ بِغَلَطِ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ عُمَرَهُ كُلَّهَا لَمْ تَزِدْ عَنْ أَرْبَعٍ، وَقَدْ عَيَّنَهَا أَنَسٌ وَعَدَّهَا وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي غَيْرِ ذِي الْقَعْدَةَ سِوَى الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، وَقَدْ جَمَعَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فِي رَجَبٍ وَأُخْرَى فِي رَمَضَانَ لَكَانَتْ سِتًّا، وَلَوْ كَانَتْ أُخْرَى فِي شَوَّالٍ كَمَا هُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ ﵊ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ كَانَتْ سَبْعًا». وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ فِيهِ وَجَبَ ارْتِكَابُهُ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ، وَمَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ فِيهِ حُكِمَ بِمُقْتَضَى الْأَصَحِّ وَالْأَثْبَتِ، وَهَذَا أَيْضًا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بِإِرَادَةِ عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ فِي شَوَّالٍ وَالْإِحْرَامُ بِهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute