للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَصِحُّ الشُّرُوعُ.

(وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ «الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ» وَلَنَا قَوْلُهُ «الْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ»؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ، وَهَذِهِ أَمَارَةُ النَّفْلِيَّةِ.

مَجَازًا؛ لِلْقُرْبِ، هَذَا إنْ صَحَّ وَحُفِظَ، وَإِلَّا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الثَّابِتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَهُ كَانَتْ كُلَّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَقَعَ تَرَدُّدٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ أَفْضَلَ أَوْقَاتِ الْعُمْرَةِ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ رَمَضَانُ، فَفِي رَمَضَانَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَلَكِنَّ فِعْلَهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ ظَاهِرًا أَنَّهُ أَفْضَلُ إذْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ يَخْتَارُ لِنَبِيِّهِ إلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَلُ، أَوْ أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ بِتَنْصِيصِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ؛ لِاقْتِرَانِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهُ كَاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَاتٍ أُخْرَى فِي رَمَضَانَ تَبَتُّلًا وَأَلَّا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ فِيهِ لَخَرَجُوا مَعَهُ وَلَقَدْ كَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، وَقَدْ أَخْبَرَ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهُ كَالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ بِهِمْ وَمَحَبَّتِهِ لَأَنْ يُسْقِيَ بِنَفْسِهِ مَعَ سُقَاةِ زَمْزَمَ ثُمَّ تَرَكَهُ كَيْ لَا يَغْلِبَهُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. وَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثٍ فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذِكْرَ جَمِيعِ مَا اعْتَمَرَ ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ اعْتَمَرَ أَكْثَرَ، فَكَانَ الْمُرَادُ ذِكْرَ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِالْغَلَطِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَظَافَرَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا مِنْ قَابِلٍ سَنَةَ سَبْعٍ سِوَى الَّتِي فِي ذِي الْقَعْدَةِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَكَّةَ حَتَّى فَتَحَهَا سَنَةَ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي دُخُولِهِ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ أُخْرِجَ إلَى حُنَيْنٍ فِي شَوَّالٍ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْهَا فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَمَتَى اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا عِلْمَ إلَّا مَا عَلَّمَ.

(قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) أَيْ مَنْ أَتَى بِهَا مَرَّةً فِي الْعُمُرِ فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرَ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ، إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ، هَذَا إذَا أَفْرَدَهَا فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْحَجِّ لَا إلَى الْعُمْرَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِالْعُمْرَةِ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهَا فَفِي رَمَضَانَ أَوْ الْحَجَّ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهِ فَبِأَنْ يَقْرِنَ مَعَهُ عُمْرَةً. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرِيضَةٌ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ هِيَ وَاجِبَةٌ. وَجْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>