(وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْحَاجِّ) لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلتَّحَلُّلِ
هَذَا وَلَوْ كَانَ وَاحِدٌ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ عَنْهُ ضَمِنَ النَّفَقَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، لَهُمَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ أَحْسَنَ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا، كَالْوَكِيلِ إذَا بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ لِسَفَرٍ مُفْرَدٍ لِلْحَجِّ وَقَدْ خَالَفَ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ تَمَتَّعَ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُمَا أَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَكَانَ صَحِيحًا إذْ يَثْبُتُ الْإِذْنُ دَلَالَةً، بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ فَإِنَّ السَّفَرَ وَقَعَ لِلْعُمْرَةِ بِالذَّاتِ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ تَضَمَّنَ السَّفَرُ لَهُ وُقُوعَ إحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَالْمُتَمَتِّعُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ.
وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا وَلَا وِلَايَةَ لِلْحَاجِّ فِي إيقَاعِ نُسُكٍ عَنْهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهُ عَنْهُ، فَكَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعُمْرَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْعُمْرَةُ عَنْ الْمَيِّتِ صَارَتْ عَنْ نَفْسِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً، وَبِمِثْلِهِ امْتَنَعَ التَّمَتُّعُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَا إذَا أَمَرَهُ بِعُمْرَةٍ فَقَرَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَيْضًا عِنْدَهُ كَالْحَجِّ إذَا قَرَنَ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا فَكَذَا هَذَا.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ وَإِنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَحْصِيلِ الْحَجِّ عَنْهُ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ بِبَعْضِ النَّفَقَةِ وَهُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْمَيِّتِ ثَمَّ، وَيَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَبِتَنْقِيصِهَا يَنْقُصُ الثَّوَابُ بِقَدْرِهِ، فَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِعُمْرَةٍ لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَلَوْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْحَجِّ، فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِعُمْرَةٍ فَقَرَنَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، إلَّا أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا بَقِيَّةَ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ اعْتَمَرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ بِالسَّفَرِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَجَّ فَاشْتِغَالُهُ بِهِ كَاشْتِغَالِهِ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَنَفَقَتُهُ مِقْدَارُ مَقَامِهِ لِلْحَجِّ مِنْ مَالِهِ.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا حَجَّ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَطَافَ لِحَجَّةٍ وَسَعَى ثُمَّ أَضَافَ عُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةُ الرَّفْضِ فَكَانَتْ كَعَدَمِهَا، وَلَوْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا: أَيْ قَرَنَ ثُمَّ لَمْ يَطُفْ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَرَفَضَ الْعُمْرَةَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَدْ صَارَ مُخَالِفًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَقَعَتْ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا تَحْتَمِلُ النَّفَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ
(قَوْلُهُ وَدَمُ الْإِحْصَارِ إلَخْ) الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ إمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ وَهُوَ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute