للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدْ أَنْفَقَ النِّصْفَ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ) فَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا بِتَعْيِينِ الْمُوصِي إذْ تَعْيِينُ الْوَصِيِّ كَتَعْيِينِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَحَلُّ لِنَفَاذِ الْوَصِيَّةِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي لِأَنَّهُ لَا خَصْمَ لَهُ لِيَقْبِضَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ وَالْعَزْلِ فَيَحُجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ.

إطْلَاقَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ إذَا كَانَ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُ الْإِحْجَاجَ مِنْ بَلَدِهِ رَاكِبًا وَلَمْ يَكُنْ الْمُوصِي حَاجًّا عَنْ نَفْسِهِ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَكَانَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، أَوْ مَكَانًا آخَرَ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْبَلَدِ وَالرُّكُوبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مُقَدِّمَةِ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ مَاشِيًا وَأَمْسَكَ مَئُونَةَ الْكِرَاءِ لِنَفْسِهِ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَبْلُغُ إلَّا مَاشِيًا فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا جَازَ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَجْزِيهِ وَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا جَازَ، وَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا جَازَ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ نَقْصًا مِنْ وَجْهِ زِيَادَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَاعْتَدَلَا؛ وَلَوْ أَحَجُّوا مِنْ مَوْضِعٍ يَبْلُغُ وَفَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَبْلُغُ رَاكِبًا مِنْ مَوْضِعٍ أَبْعَدَ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ إلَّا إذَا كَانَ الْفَاضِلُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ زَادٍ وَكِسْوَةٍ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ كَمِّيَّةً، فَإِنْ عَيَّنَ بِأَنْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ أَوْ بِثُلُثِ مَالِي، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ بَلَدِهِ جَاءَ مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ بَلَغَ وَاحِدَةً لَزِمَتْ وَإِنْ بَلَغَ حِجَجًا كَثِيرَةً. فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَلْفِ فَذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: الْوَصِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ عَنْهُ كُلَّ سَنَةٍ حَجَّةً وَإِنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ رِجَالًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَصِيُّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بَعُدَ مِنْ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَلَاكِ الْمَالِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثُّلُثِ فَذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ، وَذَكَرَ الْجَوَابَ عَلَى نَحْوِ مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ، إلَّا أَنَّهُ حَكَى فِيهَا خِلَافًا؛ فَقِيلَ: إنَّ الْقَاضِيَ: يَعْنِي الْإِسْبِيجَابِيَّ قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً وَاحِدَةً مِنْ وَطَنِهِ وَهِيَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، إلَّا إذَا قَالَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ.

قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ أَثْبَتُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ وَبِالثُّلُثِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ السَّهْمِ، وَذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا وَأَجَابَ بِصَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ إذَا لَمْ يَقُلْ حَجَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، قَالَ: لِأَنَّهُ جَعَلَ الثُّلُثَ مَصْرُوفًا إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>