وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، قَالَ ﷺ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الْآيَةَ، وَقَالَ ﷺ «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ سَفَرُهُ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي
تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ فِي جَمِيعِ الثُّلُثِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَفْعَلَ بِثُلُثِهِ طَاعَةً أُخْرَى، وَلَوْ ضَمَّ إلَى الْحَجِّ غَيْرَهُ وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ الْجَمِيعِ، إنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ لِأَنَّ فِيهَا حَقَّيْنِ. وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَاتُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهِيَ عَلَى النَّذْرِ، وَهُوَ وَالْكَفَّارَاتُ عَلَى الْأُضْحِيَّةَ، وَالْوَاجِبُ عَلَى النَّفْلِ، وَالنَّوَافِلُ يُقَدَّمُ مِنْهَا مَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ. وَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَنْ كَفَّارَةٍ حُكْمُ النَّفْلِ وَالْوَصِيَّةُ لِآدَمِيٍّ كَالْفَرَائِضِ: أَعْنِي الْمُعَيَّنَ.
فَإِنْ قَالَ لِلْمَسَاكِينِ فَهُوَ كَالنَّفْلِ. وَمِنْ الصُّوَرِ الْمَنْقُولَةِ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْفَرْضِ وَعِتْقِ نَسَمَةٍ وَلَا يَسَعُهُمَا الثُّلُثُ يَبْدَأُ بِالْحَجَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْحَجَّةِ وَلِأُنَاسٍ وَلَا يَسَعُهُمَا الثُّلُثُ قَسَمَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ يَضْرِبُ لِلْحَجِّ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَجِّ ثُمَّ مَا خَصَّ الْحَجَّ يَحُجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمْكِنُ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِلْمَسَاكِينِ بِأَلْفٍ وَأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَثُلُثُهُ أَلْفَانِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى حِصَّةِ الْمَسَاكِينِ فَيُضَافُ إلَى الْحَجَّةِ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِلْمَسَاكِينِ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْحَجِّ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَطَوُّعٌ وَالْحَجَّ فَرْضٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ زَكَاةً فَيَتَحَاصَصُونَ فِي الثُّلُثِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ إفْسَادِ رَمَضَانَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ الْعِتْقُ وَلَمْ تَجُزْ الْوَرَثَةُ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
هَذَا وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْوَطَنِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَطَنٌ وَاحِدٌ أَوْ أَوْطَانٌ، فَإِنْ اتَّحَدَ تَعَيَّنَ. وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي خُرَاسَانِيٍّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ بِمَكَّةَ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَكِّيٍّ قَدِمَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute