للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقِيرٍ قُرْبَةٌ.

قَالَ (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) لِأَنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ لَا عَنْ التَّعْرِيفِ فَلَا يَجِبُ، فَإِنْ عُرِفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ فَحَسَنٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَعَسَى أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعَرِّفَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسَبَبُهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السَّتْرُ.

قَالَ (وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ الْجَزُورُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ وَالذِّبْحُ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ» ثُمَّ إنْ شَاءَ نَحَرَ الْإِبِلَ فِي الْهَدَايَا قِيَامًا وَأَضْجَعَهَا، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قِيَامًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا»، وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَلَا يَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قِيَامًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْبَحَ أَبْيَنُ فَيَكُونُ الذَّبْحُ أَيْسَرَ وَالذَّبْحُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ) أَمَّا نَحْرُ الْإِبِلِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِيهِ «فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ.

وَأَمَّا ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَزْوَاجِهِ» وَأَخْرَجَ السِّتَّةُ حَدِيثَ التَّضْحِيَةِ بِالْغَنَمِ بِمَا يُفِيدُ الذَّبْحَ. وَمِنْ قَرِيبٍ سَمِعْتُ حَدِيثَ «ذَبْحِهِ الْكَبْشَيْنِ الْأَمْلَحَيْنِ».

وَأَمَّا أَنَّهُ نَحَرَ الْإِبِلَ قِيَامًا وَأَصْحَابُهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَنْحَرُ بَدَنَةً وَهِيَ بَارِكَةٌ فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ " وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَنَحْنُ مَعَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٌ «أَنَّ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا» وَأُبْعِدَ مَنْ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ بَلْ هُوَ مُسْنَدٌ عَنْ جَابِرٍ وَإِنْ كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مَرَّةً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ.

هَذَا وَإِنَّمَا سَنَّ النَّبِيُّ النَّحْرَ قِيَامًا عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ وَالْوُجُوبُ السُّقُوطُ، وَتَحَقُّقُهُ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَظْهَرُ قَالَ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا »، وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرُبَاتِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُشُوعِ، إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ فَجَوَّزْنَا تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ.

قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا

مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) سَوَاءٌ أُرِيدَ بِالتَّعْرِيفِ الذَّهَابُ بِهَا إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ التَّشْهِيرُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ.

وَقَوْلُهُ (فَعَسَى أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ) يُشِيرُ إلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ) إلَى الثَّانِي

(قَوْلُهُ نَيِّفًا وَسِتِّينَ) ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ، وَالنَّيْفُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةً: نَحَرْت بَدَنَةً قَائِمَةً فَكِدْت أُهْلِكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>