للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَخِطَامِهَا وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) «لِقَوْلِهِ لِعَلِيٍّ تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَبِخَطْمِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا»

(وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا) لِأَنَّهُ جَعَلَهَا خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا إلَى نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ

(وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلُبْهَا) لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ (وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِد حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ

فِئَامًا مِنْ النَّاسِ لِأَنَّهَا نَفَرَتْ فَاعْتَقَدْتُ أَنْ لَا أَنْحَرَ الْإِبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بَارِكَةً مَعْقُولَةً وَأَسْتَعِينَ بِمَنْ هُوَ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي.

وَفِي الْأَصْلِ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَذْبَحَهُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، فَإِنْ ذَبَحَهُ جَازَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ لِقَوْلِهِ «جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ» وَيَكْفِي عَنْ هَذَا أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ يَذْكُرَهُ قَبْلَ ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ لِعَلِيٍّ) رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» وَفِي لَفْظٍ «وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا» وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ الْبُخَارِيُّ «وَنَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» وَفِي لَفْظٍ «وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا فِي الْمَسَاكِينِ وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا»، قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ: جِزَارَتُهَا بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا فَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعُنُقِ، وَكَانَ الْجَزَّارُونَ يَأْخُذُونَهَا فِي أُجْرَتِهِمْ

(قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ ارْكَبْهَا، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ » قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: لَمْ نَرَ اسْمَ هَذَا الْمُبْهَمِ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ؛ فَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِإِطْلَاقِ هَذَا الْأَمْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ سِيرَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مُجَانَبَةُ السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي. وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَرْكَبْهُ وَلَا أَمَرَ النَّاسَ بِرُكُوبِ هَدَايَاهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ هَذَا.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَرْكَبُهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ حَمْلًا لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَمَّا رَأَى مِنْ حَاجَةِ الرَّجُلِ إلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي وَاقِعَةِ حَالٍ فَاحْتَمَلَ الْحَاجَةَ بِهِ وَاحْتَمَلَ عَدَمَهَا، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يُفِيدُ أَحَدَهُمَا حَمَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ وَجَدَ مِنْ الْمَعْنَى مَا يُفِيدُهُ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَهَا كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيَجْعَلَ مَحْمَلَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ.

ثُمَّ رَأَيْنَا اشْتِرَاطَ الْحَاجَةِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ «أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذْ أُلْجِئْتَ إلَيْهَا» فَالْمَعْنَى يُفِيدُ مَنْعَ الرُّكُوبِ مُطْلَقًا وَالسَّمْعُ وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ رُخْصَةً فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْمَنْعِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْمَعْنَى لَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ.

وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ: يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ

(قَوْلُهُ وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا) أَيْ يَرُشُّهُ بِالْمَاءِ وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>