فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ
(وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ (وَإِنْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْمَعِيبَ بِمِثْلِهِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَيْرِهِ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ اُلْتُحِقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ
(وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا وَلَا يَأْكُلُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ) مِنْهَا بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ ﵁، وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ.
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ لِمَ لَا يَكُونُ كَأُضْحِيَّةِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا تَطَوُّعٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَاهَا لِلتَّضْحِيَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِلْوَعْدِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْغَنِيِّ، حَتَّى إنَّ الْغَنِيَّ إذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا.
أُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْجَبَ الْفَقِيرُ بِلِسَانِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّاتَيْنِ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُوجِبْ بِلِسَانِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَاسْتَوْضَحَهُ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ اشْتَرَى الْفَقِيرُ الْأُضْحِيَّةَ فَمَاتَتْ أَوْ بَاعَهَا لَا تَلْزَمُهُ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ ضَلَّتْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْإِيرَادِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مَسْأَلَةَ أُضْحِيَّةِ الْفَقِيرِ مُطْلَقَةً عَنْ الْإِيجَابِ بِلِسَانِهِ فَرَدُّهَا إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ لَازِمٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى لِظُهُورِ عَدَمِ الْوُجُوبِ بِلَا إيجَابٍ مِنْ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَدَنَةُ عَنْ وَاجِبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ شَاةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَبِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْإِسْقَاطِ لَا تَتَعَيَّنُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مَا لَمْ تُذْبَحْ عَنْهُ وَالذِّمَّةُ مَا عَنْهُ يُثْبِتُ فِي الْآدَمِيِّ أَهْلِيَّةَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ) بِأَنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْأُذُنِ مَثَلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: إذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ) أَيْ قَرُبَتْ مِنْ الْعَطَبِ حَتَّى خِيفَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهَا السَّيْرُ لِأَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْهَلَاكِ لَا يَكُونُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَطَبِ الْأَوَّلِ حَقِيقَتُهُ وَبِالثَّانِي الْقُرْبُ مِنْهُ، ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَا شَرَعَ فِيهِ إذَا بَلَغَ هَذِهِ الْحَالَةَ (قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﵊) تَقَدَّمَ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ) أَيْ فَائِدَةُ صَبْغِ نَعْلِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute