للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ جَزَرًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الْمَقْصُودُ (فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَقَامَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِمَا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ

(وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ (وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا، وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْهَدْيَ وَمُرَادُهُ الْبَدَنَةُ لِأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ الشَّاةَ عَادَةً. وَلَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا عِنْدَنَا لِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْلِيدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بِدَمِهَا وَضَرْبِ صَفْحَتِهَا بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ (قَوْلُهُ جَزَرًا لِلسِّبَاعِ) الْجَزَرُ بِفَتْحَتَيْنِ: اللَّحْمُ الَّذِي تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ … مَا بَيْنَ قُلَّةِ رَأْسِهِ وَالْمِعْصَمِ

وَقَالَ آخَرُ:

إنْ يَفْعَلَا فَلَقَدْ تَرَكْت أَبَاهُمَا … جَزَرَ الْخَامِعَةِ وَنَسْرَ قَشْعَمِ

(قَوْلُهُ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ

(قَوْلُهُ وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا) أَيْ بِجِنْسِ الدِّمَاءِ الْجَابِرَةِ وَهِيَ دِمَاءُ الْجِنَايَاتِ فَلَا يُقَلِّدُهَا هَدْيُ الْإِحْصَارِ كَمَا لَا يُقَلِّدُ هَدْيَ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ يُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهُوَ الْبَدَنَةُ فَيَدْخُلُ الْبَقَرُ دُونَ الشَّاةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) يُرِيدُ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ بَابِ الْقِرَانِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ عَدَمَ الْفَائِدَةِ الَّتِي هِيَ عَدَمُ الضَّيَاعِ، فَإِنَّ الْغَنَمَ تَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا صَاحِبُهَا.

[فُرُوعٌ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْأَصْلِ مَشْرُوحَةٌ فِي الْمَبْسُوطِ] كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ مِنْ الْمَنَاسِكِ جَازَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ سِتَّةَ نَفَرٍ قَدْ وَجَبَ الدِّمَاءُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا سِتَّةٌ بَعْدَمَا أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهَا صَارَ الْكُلُّ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَدْرَ مَا يَجْزِي فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ بِإِيجَابِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْجَبَهُ هَدْيًا، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ يَشْتَرِكَ مَعَهُ فِيهَا سِتَّةُ نَفَرٍ أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْكُلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى أَشْرَكَ السِّتَّةَ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ بِأَمْرِ الْبَاقِينَ حَتَّى تَثْبُتَ الشَّرِكَةُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا لِأَنَّهُ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا ثُمَّ انْفَصَلَ بَعْدَمَا سَرَى إلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهُ مَعَهَا.

وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُذْبَحَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَ فَكَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَرَضِيَ وَارِثُهُ أَنْ يَنْحَرَهَا مَعَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا

<<  <  ج: ص:  >  >>