. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ مَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ». لَا يُقَالُ: لَا نَظِيرَ لِلْمَشْيِ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَاجِبٌ عَلَى مَا ذَكَرْته فِي كِتَابِ الصَّوْمِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ لَهُ نَظِيرٌ، وَهُوَ مَشْيُ الْمَكِّيِّ الَّذِي لَا يَجِدُ الرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَنَفْسُ الطَّوَافِ أَيْضًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ وُجُوبِ الْمَشْيِ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ قِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ، وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنْ لَا فَرْقَ فِي الْوُجُوبِ بَيْنَ أَنْ يُنْجِزَ النَّذْرَ أَوْ يُعَلِّقَهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ فِي الْإِيجَابِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَجَّةً وَلَا عُمْرَةً فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ تُعُورِفَ إيجَابُ النُّسُكِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَإِنْ جَعَلَهَا حَجَّةَ مَشْيٍ فَلَمْ يَرْكَبْ حَتَّى يَطُوفَ أَوْ عُمْرَةَ مَشْيٍ حَتَّى يَحْلِقَ، وَلَوْ قَرَنَهَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ جَازَ.
فَإِنْ رَكِبَ فَعَلَيْهِ دَمٌ مَعَ دَمِ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً مَاشِيًا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا الْحَجَّةَ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ وَهُوَ قَارِنٌ، وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكُلُّ مَنْ نَذَرَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ إذَا رَكِبَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَقَطَعَ التَّتَابُعَ، وَلَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ نَصًّا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَنَدُهُ حُجَّةٌ.
وَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ ﷺ فِيهَا " لِتَمْشِ وَلِتَرْكَبَ " وَلَمْ يَزِدْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْمَرْوِيِّ بِدَلِيلِ مَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، ثُمَّ إطْلَاقُ الرُّكُوبِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى عِلْمِهِ بِعَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ بِدَلِيلِ مَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَإِنَّهَا لَا تُطِيقُ الْمَشْيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» إلَّا أَنَّهُ عَمِلَ بِإِطْلَاقِ الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ بَدَنَةٍ لِقُوَّةِ رِوَايَتِهَا.
وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ إيجَابَ النُّسُكِ بِنَذْرِ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَعَارُفِ إرَادَةِ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ غَيْرَهُ، فَلَوْ نَوَى بِهِ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُكَرَّمَةِ أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَسْجِدٍ غَيْرِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. أَمَّا صِحَّةُ نِيَّتِهِ فَلِمُطَابَقَتِهَا لِلَفْظِهِ إذْ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا صَحَّتْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ سَائِرَ الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهَا بِلَا إحْرَامٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْتَزِمًا لِلْإِحْرَامِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْكَعْبَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ.
وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِي الْتِزَامِ النُّسُكِ بِهِ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ النُّسُكُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَرَمِ وَلَا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَّا بِالْإِحْرَامِ فَكَانَ بِذَلِكَ مُلْتَزِمًا لِلْإِحْرَامِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَقَوْلُهُ أَوْجَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَرَفَ فَإِنَّ الِالْتِزَامَ لِلنُّسُكِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ مَدْلُولًا وَضْعِيًّا بَلْ عُرْفِيًّا، فَكَوْنُ التَّوَصُّلِ فِي الْخَارِجِ بِالْفِعْلِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْسَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ لَا يُوجِبُ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يُفِيدُهُ إذَا تَأَمَّلْت قَلِيلًا. وَأَمَّا كَوْنُ التَّوَصُّلِ إلَى الْحَرَمِ أَيْضًا