للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَتَلْزَمُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، كَمَا إذَا نَذَرَ بِالصَّوْمِ مُتَتَابِعًا

فَحَجَّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ خِلَافًا، إذْ لَا خِلَافَ فِي تَأَدِّي فَرْضِ الْحَجِّ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَمَا عَنْ هِشَامٍ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إلَى الْمَنْذُورِ بِلَا نِيَّةٍ.

وَمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ يَوْمَ أُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِهَا بَلْ لَزِمَتْهُ يَفْعَلُهَا مَتَى شَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ حَجَّةٌ الْيَوْمَ إنَّمَا تَلْزَمُهُ فِي ذِمَّتِهِ يُحْرِمُ بِهَا مَتَى شَاءَ.

وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت لَزِمَتْهُ، وَكَذَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ، وَهَلْ تَقْتَصِرُ مَشِيئَةُ فُلَانٍ عَلَى مَجْلِسِ بُلُوغِهِ ذَلِكَ الْخَبَرِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَقْتَصِرَ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْحَالِفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا مِنْ ذِي الْمَشِيئَةِ فَاسْتَدْعَى جَوَابَهُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَاتِ تَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَانْتَفَى مُوجِبُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ.

وَمَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ بِفُلَانٍ، فَإِنْ نَوَى أَحُجَّ وَهُوَ مَعِي فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُحِجَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهُ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَقَدْ أَلْصَقَ فُلَانًا بِحَجِّهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يَحُجَّ فُلَانٌ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ وَأَنْ يُعْطِيَ فُلَانًا مَا يَحُجُّ بِهِ مِنْ الْمَالِ، وَالْتِزَامُ الْأَوَّلِ بِالنَّذْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالثَّانِي صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَجَّ يُؤَدَّى بِالْمَالِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْأَدَاءِ فَكَانَ هَذَا فِي حُكْمِ الْبَدَلِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ فَيَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْبَدَلِ كَمَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْأَصْلِ، فَإِذَا نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ، وَلَكِنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ خَاصَّةً.

وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَ لَزِمَهُ فَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يُحِجَّهُ مَعَ نَفْسِهِ لِيَحْصُلَ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّ فُلَانًا لِأَنَّ لَفْظَهُ فِي حَقِّ فُلَانٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَعَدَمَهُ، وَالْمُعَيِّنُ لِلْوُجُوبِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا النِّيَّةُ وَقَدْ فُقِدَتْ. وَلَوْ كَانَ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أُحِجَّ فُلَانًا فَهَذَا مُحْكَمٌ وَالنَّذْرُ بِهِ صَحِيحٌ.

وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا فَطَافَ كَذَلِكَ قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَقِيلَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَهِدَ شَرْعِيَّتَهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا فِعْلًا فِي الِاخْتِيَارِ فَالْتِزَامُهَا قَاعِدًا الْتِزَامُ أَحَدِ صِنْفَيْهَا، بِخِلَافِ الطَّوَافِ النَّفْلِ فَالْتِزَامُهُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ كَالْتِزَامِ الصَّلَاةِ إيمَاءً حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

وَسَنَذْكُرُ خَاتِمَةً فِي نَذْرِ الْهَدْيِ وَالْمُجَاوَرَةِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>