إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَلْفِ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا بَاشَرَتْ بِإِذْنِهِ فَكَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ
لَهُ فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُشَارُ إلَيْهِ ابْنَهُ فَفِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ فِي نَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ وَكَذَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَمْلُوكٍ لَهُ فَبَاعَهُ ثُمَّ فَعَلَ، وَلَوْ قَالَ فَهَذَا حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيهِ فَفَعَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت فَأَنَا أُهْدِي كَذَا لَزِمَهُ إذَا فَعَلَ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْهَدْيِ أَمْرَانِ: جَوَازُ مَا يَجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةَ مِنْ الشَّاةِ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَذْبَحَ إلَّا فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَالسُّنَّةُ ذَبْحُهُ بِمِنًى وَإِلَّا فَفِي مَكَّةَ، وَلَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ.
وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَزُورًا تَعَيَّنَ الْإِبِلُ وَالْحَرَمُ، وَلَوْ قَالَ جَزُورٌ فَقَطْ جَازَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ كَمِصْرِ وَالشَّامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْهَدْيَ، وَلَوْ قَالَ بَدَنَةٌ فَقَطْ جَازَ الْبَقَرَةُ وَالْبَعِيرُ حَيْثُ شَاءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُعَيَّنًا مِنْ الْبُدْنِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَعَيَّنُ الْحَرَمُ. فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزُورِ بِأَنَّ اسْمَ الْبُدْنَ لَا يُذْكَرُ فِي مَشْهُورِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا فِي مَعْنَى الْمُهْدَاةِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِالْهَدْيِ يَتَعَيَّنُ الْحَرَمُ فَكَذَا الْبَدَنَةُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ بَدَنَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَيُمْنَعُ أَنَّ فِيهِ نَفْلًا شَرْعِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَرِكٌ فِيهَا، وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي الْحَرَمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَيْضًا جَازَ لِأَنَّ مَعْنَى اسْمِ الْهَدْيِ لَا يُعَيِّنُ فُقَرَاءَ مَحَلٍّ أَصْلًا بَلْ إنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان وَذَلِكَ هُوَ الْحَرَمُ إجْمَاعًا، فَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ إنَّمَا هُوَ لِإِفَادَةِ مَأْخَذِ اسْمِ النَّقْلِ، ثُمَّ تَعَيَّنَ الْمَكَانُ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَتَعْيِينُ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ بِالْإِهْدَاءِ تَتِمُّ بِالنَّفْلِ إلَى الْحَرَمِ وَالذَّبْحِ بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَلِذَا لَوْ سُرِقَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ وَبِذَلِكَ انْتَهَى مَدْلُولُهُ وَيَصِيرُ لَحْمًا.
وَجْهُ الْقُرْبَةِ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ التَّصَدُّقُ، وَفِي هَذَا مَسَاكِينُ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ. وَهَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَرَمِ فِي نَذَرَ الْهَدْيِ كَأَنْ يَقُولَ هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ؟ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَجُوزُ. وَجْهُ الْأُولَى اعْتِبَارُ النَّذْرِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ بِهِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ فِي اسْمِ الْهَدْيِ زِيَادَةً عَلَى مُجَرَّدِ اسْمِ الشَّاةِ وَهُوَ الذَّبْحُ، فَالْقُرْبَةُ فِيهِ تَتَعَلَّقُ بِالذَّبْحِ ثُمَّ التَّصَدُّقُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعٌ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ فِي الشَّاةِ بِالصَّدَقَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ، وَلَيْسَ الذَّبْحُ ثَابِتًا فِي قِيمَةِ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا حَسَنٌ. وَمَنْ نَذَرَ شَاةً فَأَهْدَى مَكَانَهَا جَزُورًا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ لِثُبُوتِ الْإِرَاقَةِ فِي الْبُدْنِ الْأَعْلَى كَالْأَصْلِ.
وَقَالُوا: إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً تُسَاوِي شَاتَيْنِ قِيمَةً لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ عَيَّنَ الْهَدْيَ مِمَّا لَا يُذْبَحُ فِيمَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْعَبِيدِ وَالْقُدُورِ وَالثِّيَابِ فَقَالَ إنْ فَعَلْت فَثَوْبِي هَذَا هَدْيٌ أَوْ هَذَا الْقِدْرُ هَدْيٌ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ جَازَ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ إلَى مَكَّةَ أَوْ عَيْنِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِحَجَبَةِ الْبَيْتِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ كَالْكُوفَةِ وَمِصْرَ جَازَ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الْأَمْتِعَةِ لَيْسَ إلَّا التَّصَدُّقُ وَهُوَ فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْهَدْيِ بِمَا يَشْرَعُ ذَبْحُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي الْحَرَمِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَرَمُ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي مَكَان فَتَصَدَّقَ فِي غَيْرِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّذْرَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَالْقُرْبَةُ إنَّمَا هِيَ بِالتَّصَدُّقِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ مُجَرَّدَ التَّصَدُّقِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ إذَا أَرَادَ الْإِيصَالَ إلَى مَكَّةَ.
وَقَوْلُهُ فَهَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إلَى الْبَيْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute