. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُشَدُّ إلَيْهَا الرِّحَالُ.
فِي الْحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَى الزِّيَارَةِ يُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مُدَّةَ الطَّرِيقِ، وَالْأَوْلَى فِيمَا يَقَعُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ تَجْرِيدُ النِّيَّةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ إذَا حَصَلَ لَهُ إذَا قَدَّمَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ أَوْ يَسْتَفْتِحُ فَضْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى يَنْوِيهِمَا فِيهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةَ تَعْظِيمِهِ ﷺ وَإِجْلَالِهِ، وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «لَا تَعْمَلُهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي» وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ اغْتَسَلَ بِظَاهِرِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ، وَلُبْسُ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ النُّزُولِ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْمَشْيِ عَلَى أَقْدَامِهِ إلَى أَنْ يَدْخُلَهَا حَسَنٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ أَدْخَلَ فِي الْأَدَبِ وَالْإِجْلَالِ كَانَ حَسَنًا.
وَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ ﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ الْآيَةَ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَارْزُقْنِي مِنْ زِيَارَةِ رَسُولِك ﷺ مَا رَزَقْت أَوْلِيَاءَك وَأَهْلَ طَاعَتِك، وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ، وَلْيَكُنْ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهَا لَا يَفْتُرُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مُسْتَحْضِرًا أَنَّهَا بَلْدَتُهُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ تَعَالَى دَارَ هِجْرَةِ نَبِيِّهِ وَمَهْبِطًا لِلْوَحْيِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْبَعًا لِلْإِيمَانِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: كُلُّ الْبِلَادِ اُفْتُتِحَتْ بِالسَّيْفِ إلَّا الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا اُفْتُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
وَلْيُحَضِّرْ قَلْبَهُ أَنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَ مَوْضِعَ قَدَمِهِ، وَلِذَا كَانَ مَالِكٌ ﵀ وَرَضِيَ عَنْهُ لَا يَرْكَبُ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: أَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَطَأَ تُرْبَةً فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحَافِرِ دَابَّةٍ.
وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَعَلَ مَا هُوَ السُّنَّةُ فِي دُخُولِ الْمَسَاجِدِ مِنْ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَيَدْخُلُ مِنْ بَابِ جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَقْصِدُ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ وَهِيَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ، فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلًا السَّارِيَةَ الَّتِي تَحْتَهَا الصُّنْدُوقُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودُ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَتَكُونُ الْحَنِيَّةُ الَّتِي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا قِيلَ قَبْلَ أَنْ يُغَيَّرَ الْمَسْجِدُ. وَفِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ: يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فِي مَقَامِهِ ﵊ وَهُوَ الْحُفْرَةُ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ: وَيَسْجُدُ لِلَّهِ شُكْرًا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَيَسْأَلُهُ تَمَامَهَا وَالْقَبُولَ. وَقِيلَ ذَرْعُ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَمَوْقِفِهِ ﵊ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ، وَمَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ السَّارِيَةِ الَّتِي عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ فِي زَاوِيَةِ جِدَارِهِ.
وَمَا عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: مِنْ السُّنَّةَ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَتَجْعَلَ ظَهْرَك إلَى الْقِبْلَةِ وَتَسْتَقْبِلَ الْقَبْرَ بِوَجْهِك ثُمَّ تَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَوْعٍ مَا مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ﵊ فِي الْقَبْرِ الشَّرِيفِ الْمُكَرَّمِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. وَقَالُوا فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مُطْلَقًا: الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ الزَّائِرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْمُتَوَفَّى لَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ أَتْعَبُ لِبَصَرِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقَابِلًا بَصَرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ نَاظِرٌ إلَى جِهَةِ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَ عَلَى جَنْبِهِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِبْلَةُ عَنْ يَسَارِ الْوَاقِفِ مِنْ جِهَةِ قَدَمَيْهِ ﵊ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَإِذَا أَكْثَرَ الِاسْتِقْبَالَ إلَيْهِ ﵊ لَا كُلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute