. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ فَلِذَا حَيْثُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ نَحْمِلُهُ عَلَى الْوَطْءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ حَتَّى أَثْبَتُوا بِهَا حُرْمَةَ مَنْ زَنَا بِهَا الْأَبُ عَلَى الِابْنِ.
وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ: إنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى: هُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْعَقْدُ يُوَافِقُ مَا بَيَّنَّا. وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ نِكَاحًا أَوْ غَيْرَهُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ، سَوَاءٌ كَانَا بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْتُ أَوْ تَزَوَّجْتُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَنَذْكُرُ أَوْ كَلَامِ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا: أَعْنِي الْمُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَوْلُ الْوَرْسَكِيِّ: إنَّهُ مَعْنَى يُحِلُّ الْمَحَلَّ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت آلَةُ انْعِقَادِهِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِإِخْرَاجِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ مُسَمَّاهُ وَهُوَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ غَيْرُ مَشْهُورٍ.
الْأَمْرِ الثَّالِثِ سَبَبِ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ بَقَاءُ النَّوْعِ بِالْوَطْءِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَكِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّظَالُمِ وَالسَّفْكِ وَضَيَاعِ الْأَنْسَابِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. الْأَمْرِ الرَّابِعِ شَرْطِهِ الْخَاصِّ بِهِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ يُذْكَرْ، وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَمِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ. الْأَمْرِ الْخَامِسِ: شَرْطِهِ الَّذِي لَا يَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ، فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ، وَتَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ، فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ. الْأَمْرِ السَّادِسِ رُكْنِهِ. وَهُوَ الْجِنْسُ الْمُقَيَّدُ فِي التَّعْرِيفِ. الْأَمْرِ السَّابِعِ حُكْمِهِ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا، فَخَرَجَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَمِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا سَيَرِدُ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ.
الْأَمْرِ الثَّامِنِ صِفَتِهِ، أَمَّا فِي حَالِ التَّوَقَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَوْ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ، وَفِي النِّهَايَةِ: إنْ كَانَ لَهُ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحَرُّزِ إلَّا بِهِ كَانَ فَرْضًا اهـ.
وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْخَوْفَ الْوَاقِعَ سَبَبًا لِلِافْتِرَاضِ بِكَوْنِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحَرُّزِ إلَّا بِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ الْخَوْفُ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ بُلُوغَهُ إلَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ فَلْيَكُنْ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فَرْضًا وَإِلَّا فَوَاجِبٌ. هَذَا مَا لَمْ يُعَارِضْهُ خَوْفُ الْجَوْرِ، فَإِنْ عَارَضَهُ كُرِهَ. قِيلَ: لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ بِالْوَلَدِ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى. وَاَلَّذِي يَخَافُ الْجَوْرَ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ النُّصُوصَ لَا تَفْصِلُ فَقُلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ.
وَيَنْبَغِي تَفْصِيلُ خَوْفِ الْجَوْرِ كَتَفْصِيلِ خَوْفِ الزِّنَا، فَإِنْ بَلَغَ مَبْلَغَ مَا اُفْتُرِضَ فِيهِ النِّكَاحُ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبَدَائِعِ: قَيَّدَ الِافْتِرَاضَ فِي التَّوَقَانِ بِمِلْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنَّ مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ يَأْثَمُ، وَصَرَّحَ قَبْلَهُ بِالِافْتِرَاضِ فِي حَالَةِ التَّوَقَانِ.
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ فَدَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ الْآيَةَ، «وَقَوْلُهُ ﷺ لِعَكَّافِ بْنِ وَدَاعَةَ الْهِلَالِيِّ: أَلَكَ زَوْجَةٌ يَا عَكَّافُ؟ قَالَ لَا، قَالَ: وَلَا جَارِيَةٌ؟ قَالَ لَا، قَالَ: وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُوسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute