. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وُجُودُ اللَّفْظِ، ثُمَّ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُلَاحَظَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الِانْعِقَادِ وَلُزُومِ حُكْمِهِ جَانِبُ الرِّضَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ عَدَّيْنَا ثُبُوتَ الِانْعِقَادِ وَلُزُومَ حُكْمِ الْعَقْدِ إلَى كُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ ذَلِكَ بِلَا احْتِمَالِ مُسَاوٍ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ فَقُلْنَا: لَوْ قَالَ بِالْمُضَارِعِ ذِي الْهَمْزَةِ أَتَزَوَّجك فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي انْعَقَدَ، وَفِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ نَحْوَ تُزَوِّجنِي بِنْتَكَ؟ فَقَالَ فَعَلْتُ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِيعَادِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالنِّكَاحُ مِمَّا لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ كَانَ لِلتَّحْقِيقِ فِي الْحَالِ فَانْعَقَدَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْإِنْشَاءِ بَلْ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَرَضِ تَحْقِيقِهِ وَاسْتِفَادَةِ الرِّضَا مِنْهُ حَتَّى قُلْنَا: لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ. فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْتُ، إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ بِالْفَارِسِيَّةِ ميدهي لَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُ التَّحْقِيقِ ظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَكَذَلِكَ.
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ جِئْتُك خَاطِبًا بِنْتَك أَوْ لِتُزَوِّجَنِي ابْنَتَك فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُك فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ كَمَا قُلْنَا، وَالِانْعِقَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا مُتَزَوِّجُك يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ سَوَاءٌ، وَقُلْنَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمُسْتَقْبَلِ: يَعْنِي الْأَمْرَ، فَلَوْ قَالَ زَوِّجْنِي بِنْتَك فَقَالَ زَوَّجْتُك انْعَقَدَ، وَمِنْهُ كُونِي امْرَأَتِي يَنْعَقِدُ إذَا قَبِلَتْ.
وَفِي النَّوَازِلِ: قَالَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ صَحَّ النِّكَاحُ، غَيْرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ، وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا نَفْسُهَا إيجَابٌ فَيَكُونُ قَائِمًا بِهِمَا. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَ كَانَ تَامًّا، وَكَذَا فِي الْخُلْعِ؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُكْفُلْ لِي بِنَفْسِ فُلَانٍ هَذَا أَوْ بِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ كَفَلْت تَمَّتْ الْكَفَالَةُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَبْ لِي هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ وَهَبْت فِي مَسَائِلَ أُخَرَ ذَكَرَهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا. وَيَسْتَغْنِي عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى تَقْرِيرِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ قَبُولُهُ تَحْصِيلَ الْفِعْلِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ تَوْكِيلًا وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعْنِيهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْتُ بِلَا جَوَابٍ، إذْ جَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ فَصَحَّ دُونَ الْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ فَتَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمٌ بِالْمُجِيبِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلِذَا قِيلَ الْمِثَالُ الصَّحِيحُ أَتَزَوَّجُك بِأَلْفٍ فَتَقُولُ قَبِلْت عَلَى إرَادَةِ الْحَالِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي النِّكَاحِ الْمَجْلِسُ كَالْبَيْعِ لَا الْفَوْرُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀.
وَقَدْ يُوهِمُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ فَسَكَتَ الْخَاطِبُ فَقَالَ الصِّهْرُ ادْفَعْ الْمَهْرَ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ قَبُولٌ، وَقِيلَ لَا أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةَ، وَقَدْ يَكُونُ مُنْشَؤُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ خَاطِبًا، فَحَيْثُ سَكَتَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ظَاهِرًا فِي رُجُوعِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ أَوَّلًا، فَقَوْلُهُ نَعَمْ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ بِمُفْرَدِهِ لِأَنَّ الْفَوْرَ شَرْطٌ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَصُورَةُ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُوجِبَ أَحَدُهُمَا فَيَقُومَ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ يَكُونَ قَدْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute