للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) لِأَنَّ الصِّيغَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْإِخْبَارِ وَضْعًا فَقَدْ جُعِلَتْ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ

وَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّانِي جَوَابًا مُعْتَبَرًا مُحَقِّقًا لِغَرَضِ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَيَسْمَعُ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَلَامَ صَاحِبِهِ، وَالْكَلَامَانِ هُمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. فَمَا قِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ إنَّهُ إصْدَارُ الصِّيغَةِ الصَّالِحَةِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْقَبُولِ خِلَافُ الْوَاقِعِ مِنْ الْعُرْفِ الْمَشْهُورِ، بَلْ إنَّ الْإِيجَابَ هُوَ نَفْسُ الصِّيغَةِ الصَّالِحَةِ لِتِلْكَ الْإِفَادَةِ بِقَيْدِ كَوْنِهَا أَوَّلًا وَالْقَبُولُ هِيَ بِقَيْدِ وُقُوعِهَا ثَانِيًا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا

فَمَا ذُكِرَ فِي الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ عَلَى الْإِيجَابِ، بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْت بِنْتَك فَقَالَ زَوَّجْتُكهَا يَنْعَقِدُ بِهِ صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ كَوْنُهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَبُولِ، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ مَا يُقَدَّمُ هُوَ الْإِيجَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ هُنَا وَصَرَّحَ الْكُلُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ، وَكَانَ الْحَامِلُ عَلَى جَعْلِهِ الْإِصْدَارِ وَصْلَ قَوْلِهِ بِلَفْظَيْنِ بِقَوْلِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَأَفَادَ آلِيَّتَهُمَا لَهُمَا فَكَانَا خِلَافَيْهِمَا.

وَالْحَقُّ مَا أَعْلَمْتُك وَوَصَلَهُمَا إبْدَالٌ أَوْ بَيَانٌ يَدْفَعُ بِهِ مَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعُرْفِ فَيُعَمِّمُ الْمُقَيَّدَ فَأَبْدَلَ مِنْهُ لِتَخْرُجَ الْكِتَابَةُ، فَلَوْ كَتَبَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَا يَنْعَقِدُ، وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَدْخُلُ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ مَا يَخُصُّ الْحَقِيقَةَ، وَلَيْسَ هَذَا بِحَدٍّ بَلْ إخْبَارَاتٌ مَنْسُوقٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِإِفَادَةِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ فَقَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدِهِمَا مُسْتَقْبَلٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَنْعَقِدُ بِكَلَامِ الْوَاحِدِ كَمَا يَنْعَقِدُ بِكَلَامِ الِاثْنَيْنِ. وَلَا إشْكَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَعُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَنَّهُمَا اللَّفْظَانِ الصَّالِحَانِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَرَبِيَّةِ.

وَعَدَمُ لُزُومِ ذِكْرِ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ دَلَالَةِ الْمَقَامِ وَالْمُقَدِّمَاتِ عَلَى الْغَرَضِ لِأَنَّ الْحَذْفَ لِدَلِيلٍ جَائِزٌ فِي كُلِّ لِسَانٍ، وَعَدَمُ لُزُومِ لَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، فَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إذَا قَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي فَقَالَ قَبِلْت، أَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك فَقَالَتْ قَبِلْت جَازَ وَلَا مَفْعُولَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَابِلُ سَفِيرًا وَلَا مَفْعُولَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ نَفَذَ عَلَيْهِ.

فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ خَطَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ امْرَأَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعَا لِلْعَقْدِ قَالَ أَبُو الْمَرْأَةِ لِأَبِي الزَّوْجِ: دادم بِزِنَى أَيْنَ دخترر ابْهَزَا ردرم، فَقَالَ أَبُو الزَّوْجِ: بِزِيرٍ فَتَمَّ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ النِّكَاحِ لِلِابْنِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَبَ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ: زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ ابْنِك، فَقَالَ أَبُو الِابْنِ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ لِابْنِي يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلِابْنِ لِإِضَافَةِ الْمُزَوِّجِ النِّكَاحَ إلَى الِابْنِ بِيَقِينٍ. وَقَوْلُ الْقَابِلِ قَبِلْت جَوَابٌ لَهُ، وَالْجَوَابُ يَتَقَيَّدُ بِالْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت لِأَبِي، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ لِآخَرَ بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ الْبَيْعِ بِعْت هَذَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك، فَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت صَحَّ وَلَزِمَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ: خويشتن خريدم بَعْدَهُ وَكَآبِّينَ، فَقَالَ الزَّوْجُ: فروختم صَحَّ وَلَزِمَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْك

(قَوْلُهُ يُعَبِّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) مِثْلَ أَنْكَحَتْك وَزَوَّجْتُك فَيَقُولُ قَبِلْت أَوْ فَعَلْت أَوْ رَضِيت. وَفِي الِانْعِقَادِ بِصِرْتِ لِي وَصِرْتُ لَك خِلَافٌ، وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ اخْتِيَارُهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبُولُ.

وَلَوْ قَالَتْ عَرَسْتُك نَفْسِي فَقَبِلَ يَنْعَقِدُ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جُعِلَ إنْشَاءً شَرْعًا فَصَارَ هُوَ عِلَّةٌ لِمَعْنَاهُ فَيَثْبُتُ الْمَعْنَى عَقِيبَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا تَقْرِيرُ الشَّرْعِ مَا كَانَ فِي اللُّغَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ كَانَ يَنْشَأُ بِهَا قَبْلَ الشَّرْعِ فَقَرَّرَهُ الشَّرْعُ وَإِنَّمَا اُخْتِيرَتْ لِلْإِنْشَاءِ لِأَنَّهَا أَدَلُّ عَلَى الْوُجُودِ وَالتَّحَقُّقِ حَيْثُ أَفَادَتْ دُخُولَ الْمَعْنَى فِي الْوُجُودِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ فَأُفِيدَ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>