للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ الصَّحِيحُ لِوُجُودِ طَرِيقِ الْمَجَازِ

فِي الْحُكْمِ بِهِ، أَمَّا فِي جَوَازِ التَّجَوُّزِ فَقَطْ فَالشَّرْطُ مَعَ الْأَوَّلِ الْإِرَادَةُ لَا قَرِينَتُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ثُبُوتِ مَعْنًى بِعَيْنِهِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ لِذَاتِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ كَنِسْبَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، فَالْمُخَصَّصُ لِمَعْنًى مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ لَيْسَ إلَّا عَلَاقَةُ وَضْعِهِ لَهُ أَوْ إرَادَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ ثَبَتَ اعْتِبَارُ نَوْعِهِ عَنْ الْوَاضِعِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ فَالْإِرَادَةُ لَازِمَةٌ فِي الْمَحَلَّيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ السَّامِعِ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نَصْبِ قَرِينَةٍ تُفِيدُ إرَادَتَهُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ قَرِينَةٍ تُصْرَفُ عَنْهُ، وَهَذَا مَا يُقَالُ الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى مَجَازِهِ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِإِرَادَةِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَيْثُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلِ إرَادَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الشُّهُودِ بِمُرَادِهِ بِأَنْ أَعْلَمَهُمْ بِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي تَصْوِيرِ الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَوْ لَا يُجِيزُهُ أَنْ يَقُولَ آجَرْت بِنْتِي وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ بِهِ الشُّهُودَ اهـ.

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتُك بِنْتِي بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْبَيْعُ لِلْحُرِّيَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِيِّ فَهُوَ الْقَرِينَةُ فَيَكْتَفِي بِهَا الشُّهُودُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا أَمَةً اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ.

فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت أَمَتِي مِنْك، فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا أَوْ مُعَجَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ نَوَى وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفْ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الْحَالُ فَلَا بُدَّ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِهِمَا الْمُرَادِ عَلَى الْمُخْتَارِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَقَدْ رَجَعَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ عَدَمِ اللَّبْسِ وَحُكْمِهِ وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، إذْ عَدَمُ اللَّبْسِ إنَّمَا يَصْلُحُ لِتَعْلِيلِ دَعْوَى ظُهُورِهَا وَفَهْمِهَا. وَأَمَّا الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِإِرَادَةِ الْمَجَازِيِّ نَظَرًا إلَى تَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ وَكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وَاعِيًا.

وَأَمَّا الْهَازِلُ فَمُرِيدٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَصْدِهِ عَدَمِ الْحُكْمِ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي عَقْدِ الْمُلْجَإِ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْإِلْجَاءِ قَرِينَةً تَصْرِفُ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إذْ غَرَضُهُ لَيْسَ إلَّا التَّخَلُّصُ وَذَلِكَ بِإِجْرَاءِ اللَّفْظِ فَقَطْ، أَوْ مُرِيدًا حَقِيقَتَهُ لِلتَّخَلُّصِ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ إذْ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْحُرَّةِ وَبَيْعُهَا.

وَاَلَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» هُوَ الْحَقِيقَةُ دُونَ الْمَجَازِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَوْرَدَ كَيْفَ يَنْعَقِدُ بِالْهِبَةِ وَبِهِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ سُؤَالٌ سَاقِطٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي التَّزَوُّجِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ تَزَوَّجِي.

وَالْحَقُّ أَنَّ الْهِبَةَ فِيهَا عَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ فَيَتَجَوَّزُ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمِلْكَ الْمُتَجَوَّزَ عَنْهُ بِالْهِبَةِ إلَيْهَا نَفْسَهَا بِقَوْلِهِ وَهَبْت نَفْسَك لَك صَحَّ طَلَاقًا، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الرَّجُلِ صَحَّ نِكَاحًا. فَظَهَرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُوجِبِ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَيْسَ إلَّا لِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ بَلْ بِنَفْسِ تَوْجِيهِ السُّؤَالِ يَظْهَرُ صِحَّةُ اسْتِعَارَتِهَا لِلْمِلْكِ الْمُغَايِرِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَجِئْ الطَّلَاقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ اسْتِعَارَتِهَا لَهُ.

[الْقِسْمُ الثَّانِي] مَا اخْتَلَفُوا فِي الِانْعِقَادِ بِهِ، وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ نَحْوَ بِعْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ ابْنَتِي أَوْ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ نَعَمْ يَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ، وَقَوْلُهُ (لِوُجُودِ طَرِيقِ الْمَجَازِ) تَعْلِيلٌ لِلصَّحِيحِ، وَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَا فِي تَقْرِيرِ التَّمْلِيكِ.

وَاخْتُلِفَ فِي الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَقِيلَ لَا لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>