قَالَ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ ﵀ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ
النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ لِلْحَالِ وَمِثْلُهُ تَحْقِيقٌ، كَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَسَنُفَصِّلُ الْكَلَامَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فِي بَابِ الْمَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
التَّاسِعُ: إذَا وَصَلَ الْإِيجَابَ بِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ كَانَ مِنْ تَمَامِهِ، حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْآخَرُ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ، كَامْرَأَةٍ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَ أَنْ تَقُولَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَنْعَقِدُ، لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُجَرَّدَ زَوَّجْت يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَذِكْرُ الْمُسَمَّى مَعَهُ يُغَيِّرُ ذَلِكَ إلَى تَعْيِينِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَعْمَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَهُ.
الْعَاشِرُ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مِنْ الْهَازِلِ وَتَلْزَمُ مَوَاجِبُهُ لِقَوْلِهِ ﷺ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَجَعَلَ الْعِتْقَ بَدَلَ الرَّجْعَةِ وَكَذَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْمُكْرَهِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إذْ سَيَأْتِي أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ الشُّهُودِ صَحِيحَةٌ إذَا كَانُوا يَدِينُونَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ بِحُضُورٍ لَا يُوجِبُ السَّمَاعَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ، وَنُقِلَ عَنْ أَبْوَابِ الْأَمَانِ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، وَعَلَى هَذَا جَوَّزُوهُ بِالْأَصَمَّيْنِ وَالنَّائِمَيْنِ، وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُضُورِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. أَمَّا اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ فَلِقَوْلِهِ ﷺ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الْإِشْهَادِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ: اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا زَادَ ذِكْرَ الْإِعْلَانِ تَتْمِيمًا لِنَقْلِ مَذْهَبِهِ.
وَنَفَى اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ.
قِيلَ وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَكَذَا فَعَلَ الْحَسَنُ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ» وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ عَبْدُ الْأَعْلَى فِي التَّفْسِيرِ، وَوَقَفَهُ فِي الطَّلَاقِ، لَكِنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ هَذَا، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: إنَّ حَدِيثَ الشُّهُودِ مَشْهُورٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute