الْحُرِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ،
أَعْنِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ الْآيَةَ، فَيَنْدَفِعُ بِهِ الْإِيرَادُ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ لُزُومُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
وَجَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الْمُحَرَّمَاتِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ثَانِيًا، وَلَوْ عَدَلَ إلَى النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ فَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْآخَرَ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكَةِ وَنَحْوِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ ﵏ نَصَبُوا الْخِلَافَ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْإِعْلَانِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِمَالِكٍ فِي إثْبَاتِهِ بِالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْهُ ﷺ «أَعْلِنُوا بِالنِّكَاحِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَبِالْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ حَرَامَ هَذَا الْفِعْلِ يَكُونُ سِرًّا فَضِدُّهُ يَكُونُ جَهْرًا لِتَنْتَفِي التُّهْمَةُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا نَصْبٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ أَجْوِبَتِهِمْ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ كَلِمَتَهُمْ قَاطِبَةٌ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِمُوجِبِ دَلَائِلِ الْإِعْلَانِ وَادِّعَاءِ الْعَمَلِ بِهَا بِاشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ، وَكَلَامُ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا كَانَ الْإِظْهَارُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ طَرِيقُ الظُّهُورِ شَرْعًا وَذَلِكَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ مَعَ شَهَادَتِهِمَا لَا يَبْقَى سِرًّا. وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ: نِكَاحُ السِّرِّ مَا لَمْ يَحْضُرْهُ شُهُودٌ، فَإِذَا حَضَرُوا فَقَدْ أُعْلِنَ قَالَ: وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ الْخَفِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّ الْإِعْلَانَ الْمُشْتَرَطَ هَلْ يَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بَعْدَهُ تَوْصِيَتُهُ لِلشُّهُودِ بِالْكِتْمَانِ إذْ لَا يَضُرُّ بَعْدَ الْإِعْلَانِ التَّوْصِيَةُ بِالْكِتْمَانِ أَوْ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِشْهَادِ حَتَّى يَضُرَّ، فَقُلْنَا نَعَمْ وَقَالُوا لَا. وَلَوْ أُعْلِنَ بِدُونِ الْإِشْهَادِ لَا يَصِحُّ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَعِنْدَهُ يَصِحُّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الْإِشْهَادِ يَحْصُلُ فِي ضِمْنِهِ الشَّرْطُ الْآخَرُ، فَكُلُّ إشْهَادٍ إعْلَانٌ وَلَا يَنْعَكِسُ، كَمَا لَوْ أَعْلَنُوا بِحَضْرَةِ صَبِيَّانِ أَوْ عَبِيدٍ
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) يَعْنِي الْقَاصِرَةَ وَهِيَ وِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا التَّامَّةَ وَهِيَ نَفَاذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّ تِلْكَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْأَدَاءُ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَجْنُونِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ الْأَدَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَالشَّهَادَةُ فَرْعُهَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً وَلِذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمْ. وَلَوْ حَضَرَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ لِلْعَقْدِ مَعَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَاحْتِيجَ إلَى الْأَدَاءِ لِجَحْدِ النِّكَاحِ فَشَهِدَا بِهِ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِمَّنْ كَانَ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَانَتْ بِحُضُورِهِمَا.
هَذَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ جَوَازُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا، وَاسْتُبْعِدَ نَفْيُهَا لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ وَلَا سُنَّةَ وَلَا إجْمَاعَ فِي نَفْيِهَا. وَحُكِيَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute