وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلَّدًا فَيَصْلُحُ مُقَلِّدًا وَكَذَا شَاهِدًا. وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا
مَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ فَلَمَّا لَمْ يُحْرِمْ الشَّارِعُ الْفَاسِقَ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ شَرْعًا فِسْقَهُ سَالِبًا لِأَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ مُطْلَقًا فَجَازَ ثُبُوتُهَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَنَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ ثُبُوتَهَا عَلَى غَيْرِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِرِضَاهُ وَذَلِكَ بِتَوْلِيَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا اسْتَشْهَدَهُ فَقَدْ اسْتَوْلَاهُ وَرَضِيَ بِهِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَهُوَ صِحَّةُ سَمَاعِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ سَمَاعُهُ لِأَحَدِ شَطْرَيْ مَا يَعْقِدُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَمُجَرَّدُ السَّمَاعِ هُوَ الشَّرْطُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ: أَيْ سَمَاعُهُ.
أَمَّا الْأَدَاءُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ إجَازَةُ الْقَاضِي. وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت هَذَا الْوَجْهَ ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى اقْتِضَاءِ تَجْوِيزِ كَوْنِ الْفَاسِقِ شَاهِدًا فَتَثْبُتُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ النَّافِي. وَالْوَجْهُ السَّابِقُ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ لِإِظْهَارِ تَعْظِيمِ الْعَقْدِ وَتَعْظِيمِ الْمَحَلِّ الْوَارِدِ هُوَ عَلَيْهِ يَنْفِيهِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ إحْضَارِ الْفَاسِقِ لَيْسَ بِتَكَرُّمَةٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إنَّمَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إحْضَارِ الْفُسَّاقِ حَالَ سُكْرِهِمْ عَلَى مَا فَرَّعُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ بِحَضْرَةِ سُكَارَى يَفْهَمُونَ كَلَامَ الْعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَنْسَوْنَهُ إذَا صَحُّوا وَهُوَ الَّذِي دَنَا بِهِ آنِفًا.
أَمَّا مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ فَاسِقًا وَلَهُ مُرُوءَةٌ وَحِشْمَةٌ فَإِنَّ إحْضَارَهُ لِلشَّهَادَةِ لَا يُنَافِيهِ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ، فَالْحَقُّ صِحَّةُ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ فُسَّاقٍ لَا فِي حَالِ فِسْقِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلِّدًا) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ.
وَجْهٌ ثَانٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّهُ صَلُحَ مُقَلِّدًا: أَيْ سُلْطَانًا وَخَلِيفَةً (فَيَصْلُحُ مُقَلَّدًا) بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ قَاضِيًا (وَكَذَا شَاهِدًا) بِالْوَاوِ فِي نُسَخٍ وَبِالْفَاءِ فِي نُسَخٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ مُلَازَمَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute