الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي بِالْقَطِيعَةِ وَالْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ مُحَرِّمَةٌ لِلْقَطْعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ يَحْرُمُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ.
(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ) لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَةَ الزَّوْجِ لَوْ قَدَّرْتَهَا ذَكَرًا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ. قُلْنَا: امْرَأَةُ الْأَبِ لَوْ صَوَّرْتَهَا ذَكَرًا جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَذِهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يُصَوَّرَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.
فَأَوْجَبَ تَعْدِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ يُفْرَضُ وَصْلُهَا وَهُوَ مَا تَضَمُّنُهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ، وَبِهِ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيِّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ فِي إبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ» وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي خُصَيْفٍ فَالْوَجْهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ (قَوْلُهُ وَالْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ) أَيْ بِمُقْتَضَى آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ (مُحَرِّمَةُ لِلْقَطْعِ) عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ فِيهِمَا وَفِي الْجَمْعِ الْقَطْعُ فَلَا يَحِلُّ.
وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ مُحَرَّمَةٌ لِلْقَطْعِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ فِي الثَّانِي أَيْ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِلْقَطْعِ فَإِنَّهُ عَادَةٌ يَقَعُ التَّشَاجُرُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فَيُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ تِلْكَ الْقَرَابَاتُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِنَّ فِي الْآيَةِ أَعْنِي ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ إلَى آخِرِهَا عَلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا غَيْرُ ذَلِكَ أَيْضًا كَمُنَافَاةِ الِاحْتِرَامِ الْوَاجِبِ لِلْأُمَّهَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ بِالِافْتِرَاشِ فَيُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْقَطِيعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَى إلَيْهِ لِأَكْثَرِيَّةِ الْمُضَارَّةِ بَيْنَ الضَّرَائِرَ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ حُرْمَةِ الْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ (بِسَبَبِ الرَّضَاعِ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ أَخٍ لَهَا مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا عَمَّتُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ أُخْتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا خَالَتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ) يَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى هُوَ قِيَامُ الْقَرَابَةِ الْمُفْتَرَضُ وَصْلُهَا أَوْ الرَّضَاعِ الْمُفْتَرَضُ وَصْلُ مُتَعَلَّقِهِ وَاحْتِرَامُهُ، حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ وَابْنَةِ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ مِنْ الرَّضَاعِ.
وَكَذَا كُلُّ مَحْرَمِيَّةٍ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فِي الرَّبِيبَةِ وَزَوْجَةِ الْأَبِ فَكَانَ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا قَوْلًا لَا بِدَلِيلٍ. وَهَذِهِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرَّبِيبَةِ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ زَوْجَةِ عَلِيٍّ وَبِنْتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ قُثَمَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. قَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً.
ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيَتَزَوَّجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute