قَالَ (وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ.
ابْنَهُ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ. وَقَدْ تَزَوَّجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ امْرَأَةً وَزَوَّجَ ابْنَهُ بِنْتَهَا
(قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ، فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً (وَابْنَتُهَا) وَإِنْ سَفَلَتْ، وَكَذَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا هَذَا إذَا لَمْ يَفُضَّهَا الزَّانِي، فَإِنْ أَفْضَاهَا لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْحُرُمَاتُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ وَعُلِمَ كَوْنُهُ مِنْهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا. وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ تَنْتَشِرُ بِهَا الْآلَةُ مُحَرَّمًا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا أَفْضَاهَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَإِنْ انْتَشَرَ مَعَهُ أَوْ زَادَ انْتِشَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْوَطْءُ السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِفْضَاءِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فِي الْقَبْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا وَطِئَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءُ سَبَبٍ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ كَإِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا ﵉.
وَلَهُ أَنْ يَقُولَ الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَالْعَادِي مُنْتَفٍ عَنْهُمَا فَتَسَاوَيَا، وَالْقِصَّتَانِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ لَا تُوجِبَانِ الثُّبُوتَ الْعَادِيَ وَلَا تُخْرِجَانِ الْعَادَةَ عَنْ النَّفْيِ. وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ حُرْمَةٌ خِلَافًا لِمَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَوَجْهُهُ مَا تَضَمُّنُهُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ فِي أُخْرَى، وَقَوْلُنَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْأَصَحِّ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرٍ وَأُبَيُّ وَعَائِشَةَ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَالْبَصْرِيِّ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيَّ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
وَلَوْ وُلِدَتْ مِنْهُ بِنْتًا بِأَنْ زَنَى بِبِكْرٍ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى وَلَدَتْ بِنْتًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْبِنْتُ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ وَلَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّهَاتُهَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ لِقَوْلِهِ ﷺ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ عَارَضَهُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ بِنْتُهُ حَقِيقَةً لُغَةً، وَلَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ فِي اسْمِ الْبِنْتِ وَالْوَلَدِ شَرْعًا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى حُرْمَةِ الِابْنِ مِنْ الزِّنَا عَلَى أُمِّهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ. ثُمَّ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ الْخُرُوجِ، وَبِحُرْمَةِ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ أَوْ ابْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ ابْنُهُ فَأَوْلَدُوا بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَخِ وَالْعَمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute