وَلَنَا أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلًا فَتَصِيرُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ،
وَالْخَالُ وَالْجَدُّ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ الدَّلِيلَ يَتِمُّ بِأَنْ يُقَالَ هُوَ وَطْءٌ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ قِيَاسًا عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ وَصْفِ الْحِلِّ فِي الْمَنَاطِ وَهُوَ يَعْتَبِرُهُ فَهَذَا مُنْشَأُ الِافْتِرَاقِ. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ إلْغَاءَهُ شَرْعًا بِأَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَارِيَةِ الِابْنِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ وَوَطْءَ الْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ كُلُّهُ حَرَامٌ وَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَصْلِ هُوَ ذَاتُ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا. وَمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامَ» غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، أَرَأَيْت لَوْ بَالَ أَوْ صَبَّ خَمْرًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَمْلُوكٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَرَامًا، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِإِثْبَاتِ الزِّنَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ زِنًا بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَطْئًا، هَذَا لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ، لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضَعَّفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِي عَلَى مَا طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: فِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ضُعِّفَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قُضَاةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَفَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ، إمَّا لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ أَوْ مَجَازٌ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا﴾ وَإِنَّمَا الْفَاحِشَةُ الْوَطْءُ لَا نَفْسُ الْعَقْدِ. وَيُمْكِنُ مَنْعُ هَذَا بَلْ نَفْسُ لَفْظِهِ الَّذِي وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِاسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ إذَا ذُكِرَ لِاسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ: أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِنَّ لَهُمْ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ قَبِيحًا قَبِيحٌ، وَقَدَّمْنَا لِلْمُصَنِّفِ اعْتِبَارَ الْآيَةِ دَلِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute