للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ، وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا.

(وَمَنْ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا)

عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِلْأَبِ.

وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْهَا «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَأَنْكِحُ ابْنَتَهَا؟ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطَّلِعُ مِنْ ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا» وَهُوَ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ حَكِيمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَغْمِزُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: لَا يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا» وَهُوَ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ الرِّجَالُ ثِقَاتٍ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ تَكَافَأَتْ، وَقَوْلُهُ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ مَغْلَطَةٌ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَيْسَتْ التَّحْرِيمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَحْرِيمٌ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ، وَلِذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ، فَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ هِيَ الْمُصَاهَرَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَجْنَبِيُّ قَرِيبًا وَعَضُدًا وَسَاعِدًا يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّكَ وَلَا مُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا، فَالصِّهْرُ زَوْجُ الْبِنْتِ مَثَلًا لَا مَنْ زَنَى بِبِنْتِ الْإِنْسَانِ فَانْتَفَى الصِّهْرِيَّةُ.

وَفَائِدَتُهَا أَيْضًا إذْ الْإِنْسَانُ يَنْفِرُ عَنْ الزَّانِي بِبِنْتِهِ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِهِ بَلْ يُعَادِيه فَأَنَّى يَنْتَفِعُ بِهِ؟ فَالْمَرْجِعُ الْقِيَاسُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ إلْغَاءَ وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى كَوْنِهِ وَطْئًا، وَظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ الْجُزْئِيَّةِ وَإِضَافَةَ الْوَلَدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلًا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَمَامِ الدَّلِيلِ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَهُ بَيَانًا لِحِكْمَةِ الْعِلَّةِ: يَعْنِي أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِهَذَا الْوَطْءِ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ الْمُضَافِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلًا، وَهُوَ إنْ انْفَصَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَاطٍ مَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَا يَحْتَاجُ تَحَقُّقُهُ إلَى الْوَلَدِ وَإِلَّا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ بِوَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ فَتَضَمَّنَتْ جُزْأَهُ (وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ) لِقَوْلِهِ «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» (إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ) وَإِلَّا لَاسْتَلْزَمَ الْبَقَاءُ مُتَزَوِّجًا حَرَجًا عَظِيمًا تَضِيقُ عَنْهُ الْأَمْوَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِذَا تَضَمَّنَتْ جُزْأَهُ صَارَتْ أُمَّهَاتُهَا كَأُمَّهَاتِهِ وَبَنَاتُهَا كَبَنَاتِهِ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ كَمَا تَحْرُمُ أُمَّهَاتُهُ وَبَنَاتُهُ حَقِيقَةً. أَوْ نَقُولُ وَهُوَ الْأَوْجُهُ: إنَّ بِالِانْفِصَالِ لَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَهِيَ الْمَدَارُ. وَعِنْدَ عَدَمِ الْعُلُوقِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَظِنَّةِ خَالِيَةً عَنْ الْحِكْمَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّعْلِيلُ كَالْمِلْكِ الْمُرَفِّهِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ) أَيْ بِدُونِ حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ رَقِيقٍ تَصِلُ مَعَهُ حَرَارَةُ الْبَدَنِ إلَى الْيَدِ. وَقِيلَ الْمَدَارُ وُجُودُ الْحَجْمِ، وَفِي مَسِّ الشَّعْرِ رِوَايَتَانِ، وَنُقِلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَسُّهُ امْرَأَةً كَذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا، فَلَوْ مَسَّ عَجُوزًا بِشَهْوَةٍ أَوْ جَامَعَهَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>