للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَجُوسِيَّاتِ لِقَوْلِهِ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ

بِالْمُسْلِمَاتِ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرُ إرَادَةٍ لَا لُغَةٍ. وَيَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ تَزَوُّجُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ وَخِطْبَةُ بَعْضِهِمْ، فَمِنْ الْمُتَزَوِّجِينَ حُذَيْفَةُ وَطَلْحَةُ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالُوا نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ غَضَبُهُ لِخُلْطَةِ الْكَافِرَةِ بِالْمُؤْمِنِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ فِي صِغَرِهِ أَلْزَمُ لِأُمِّهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ تَصِيرُ تَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يُقَبِّلُ وَيُضَاجِعُ لَا لِعَدَمِ الْحِلِّ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يُتَصَوَّرْ طَلَاقٌ حَقِيقَةً وَلَا وَقْفٌ إلَى زَمَنِهِ.

وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ هِنْدًا بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ تَنَصَّرَتْ وَدَيْرُهَا بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ وَكَانَتْ قَدْ عَمِيَتْ فَأَبَتْ وَقَالَتْ: أَيُّ رَغْبَةٍ لِشَيْخٍ أَعْوَرَ فِي عَجُوزٍ عَمْيَاءَ؟ وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ تَفْتَخِرَ بِنِكَاحِي فَتَقُولُ تَزَوَّجْت بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ: صَدَقْت، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَدْرَكَتْ مَا مَنَّيْت نَفْسِي خَالِيًا … لِلَّهِ دَرُّك يَا ابْنَةَ النُّعْمَانِ

فَلَقَدْ رَدَدْت عَلَى الْمُغِيرَةِ ذِهْنَهُ … إنَّ الْمُلُوكَ ذَكِيَّةُ الْأَذْهَانِ

وَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيُكْرِمُهَا وَيَسْأَلُهَا عَنْ حَالِهَا، فَقَالَتْ فِي أَبْيَاتٍ:

فَبَيْنَمَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا … إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ

فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا … تُقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرِّفُ

قَوْلُهَا نَتَنَصَّفُ: أَيْ نُسْتَخْدَمُ، وَالْمُنَصَّفُ الْخَادِمُ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَلَا جُرْمَ أَنْ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى تَفْسِيرِ الْمُحْصَنَاتِ بِالْعَفَائِفِ، ثُمَّ لَيْسَتْ الْعِفَّةُ شَرْطًا بَلْ هُوَ لِلْعَادَةِ أَوْ لِنَدْبٍ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُوا غَيْرَهُنَّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا.

وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَجُوسِيَّاتِ) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ، وَنُقِلَ الْجَوَازُ عَنْ دَاوُد وَأَبِي ثَوْرٍ، وَنَقَلَهُ إِسْحَاقُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَاقَعَ مَلِكُهُمْ أُخْتَهُ وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ فَأُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ فَنَسُوهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّا نَعْنِي بِالْمَجُوسِ عَبَدَةَ النَّارِ، فَكَوْنُهُمْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ أَوَّلًا لَا أَثَرَ لَهُ. فَإِنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُمْ الْآنَ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ وَبِهَذَا يُسْتَغْنَى عَنْ مَنْعِ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾ مِنْ غَيْرِ تَعْقِيبٍ بِإِنْكَارٍ، وَعَدَّهُمْ الْمَجُوسَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَبِالرَّفْعِ وَالنِّسْيَانِ أُخْرِجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِهِمْ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ».

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ فِيهَا قَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ» الْحَدِيثُ، إلَى أَنْ قَالَ «بِأَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>