للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ قَوْلُهُ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ.

«لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعَتْ أَبِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَخْطُبُ وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ " وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ " وَمُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ الْمُرِّيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ.

وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي: «وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ» وَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهِ قَالَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ» وَمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ «أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» لَمْ يَقْوَ قُوَّةَ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السِّتَّةُ. وَحَدِيثُ يَزِيدَ لَمْ يُخْرِجُهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا النَّسَائِيّ، وَأَيْضًا لَا يُقَاوَمُ بِابْنِ عَبَّاسٍ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، وَلِذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يُدْرِي ابْنَ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ قَالَهُ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا» لَمْ يُخَرَّجْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَإِنْ رُوِيَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ فَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الصِّحَّةِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ سِوَى حَدِيثٍ حَسَنٍ.

قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ» فَمُنْكَرٌ عَنْهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ بَعْدَمَا اُشْتُهِرَ إلَى أَنْ كَانَ أَنْ يَبْلُغَ الْيَقِينَ عَنْهُ فِي خِلَافِهِ. وَلِذَا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ ذَلِكَ عَارَضَهُ بِأَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ طَرِيقًا «أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي لَفْظٍ «وَهُمَا مُحْرِمَانِ» وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَمَا أُوِّلَ بِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ أَنْجَدَ إذَا دَخَلَ أَرْضَ نَجْدٍ، وَأَحْرَمَ إذَا دَخَلَ أَرْضَ الْحَرَمِ بَعِيدٌ. وَمِمَّا يُبْعِدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ» وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَامَ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثَيْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَى مِنْهُمَا سَنَدًا، فَإِنْ رَجَّحْنَا بِاعْتِبَارِهِ كَانَ التَّرْجِيحُ مَعَنَا، وَيَعْضُدُهُ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ بَعْضَ نِسَائِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ» قَالَ: وَنَقْلَةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ اهـ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّمَا أَرَادَتْ نِكَاحَ مَيْمُونَةَ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا، وَبِقُوَّةِ ضَبْطِ الرُّوَاةِ وَفِقْهِهِمْ فَإِنَّ الرُّوَاةَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ لَيْسُوا كَمَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِقْهًا وَضَبْطًا كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِنْ تَرَكْنَاهَا تَتَسَاقَطُ لِلتَّعَارُضِ وَصِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ فَهُوَ مَعَنَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يُتَلَفَّظُ بِهَا مِنْ شِرَاءِ الْأُمَّةِ لِلتَّسَرِّي وَغَيْرِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، وَلَوْ حَرُمَ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ نَفْسِ الْوَطْءِ وَأَثَرُهُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ لَا فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ نَفْسِهِ. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَبَطَلَ عَقْدُ الْمَنْكُوحَةِ سَابِقًا لِطُرُوِّ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْعَقْدِ يَسْتَوِي فِي الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ كَالطَّارِئِ عَلَى الْعَقْدِ، وَإِنْ رَجَّحْنَا مِنْ حَيْثُ الْمَتْن كَانَ مَعَنَا لِأَنَّ رِوَايَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>