للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ عَلَى الرِّقِّ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ

ابْنِ عَبَّاسٍ نَافِيَةٌ وَرِوَايَةَ يَزِيدَ مُثْبِتَةٌ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُثْبِتَ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا عَلَى الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْحِلُّ الطَّارِئُ عَلَى الْإِحْرَامِ كَذَلِكَ، وَالنَّافِي هُوَ الْمُبْقِيهَا لِأَنَّهُ يَنْفِي طُرُوُّ طَارِئٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ الطَّارِئِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ لَهُ كَيْفِيَّاتٌ خَاصَّةٌ مِنْ التَّجَرُّدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فَكَانَ نَفْيًا مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ فَيُعَارِضُ الْإِثْبَاتَ فَيُرَجِّحُ بِخَارِجٍ وَهُوَ زِيَادَةُ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهُ الرَّاوِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ اللَّاحِقِ، وَأَمَّا عَلَى إرَادَةِ الْحِلِّ السَّابِقِ عَلَى الْإِحْرَامِ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» كَذَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِلْمُسْتَغْفِرِي؛ فَابْنُ عَبَّاسٍ مُثْبِتٌ وَيَزِيدُ نَافٍ، فَيُرَجَّحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِذَاتِ الْمَتْنِ لِتَرَجُّحِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي، وَلَوْ عَارَضَهُ بِأَنْ كَانَ نَفْيُ يَزِيدَ مِمَّا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ لِأَنَّ حَالَةَ الْحِلِّ تُعْرَفُ أَيْضًا بِالدَّلِيلِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْحَلَالِ فَالتَّرْجِيحُ بِمَا قُلْنَا مِنْ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهِ الرَّاوِي لَا بِذَاتِ الْمَتْنِ. وَإِنْ وُفِّقْنَا لِدَفْعِ التَّعَارُضِ فَيُحْمَلُ لَفْظُ التَّزَوُّجِ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَصَمِّ عَلَى الْبِنَاءِ بِهَا مَجَازًا بِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ الْعَادِيَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ» إمَّا عَلَى نَهْيِ التَّحْرِيمِ وَالنِّكَاحِ لِلْوَطْءِ. وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّذْكِيرِ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ: أَيْ لَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ الْوَطْءِ زَوْجَهَا.

وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُضَعِّفُ هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ لَا يُسَمَّى نِكَاحًا مَعَ أَنَّ اللَّازِمَ الْإِنْكَاحُ لَا النِّكَاحُ. وَأَمَّا اسْتِبْعَادُهُ بِاخْتِلَالِهِ عَرَبِيَّةً فَلَيْسَ بِوَاقِعٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ دُخُولُ لَا النَّاهِيَةِ عَلَى الْمُسْنَدِ لِلْغَائِبِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ، وَعَلَى النَّفْيِ فِيهِ التَّذْكِيرُ وَفِيهِ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ، أَوْ عَلَى نَهْيِ الْكَرَاهِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شَغْلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ شَغْلُ قَلْبِهِ عَنْ الْإِحْسَانِ فِي الْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خِطْبَةِ وَمُرَاوَدَاتٍ وَدَعْوَةٍ وَاجْتِمَاعَاتٍ وَيَتَضَمَّنُ تَنْبِيهَ النَّفْسِ لِطَلَبِ الْجِمَاعِ وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِهِ " وَلَا يَخْطُبُ " وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ بَاشَرَ الْمَكْرُوهَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَنُوطَ بِهِ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَلَا بُعْدَ فِي اخْتِلَافِ حُكْمٍ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فِينَا وَفِيهِ، كَالْوِصَالِ نَهَانَا عَنْهُ وَفَعَلَهُ.

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً إلَخْ) قَيْدُ الْحُرِّ غَيْرُ مُفِيد لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>