(وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ) لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ ﵀ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ،
لِلنَّقْصِ الَّذِي جَعَلُوهُ مُحَرَّمًا لَا مَعَ قَيْدِ حُرِّيَّةِ الْأَبِ فَوَجَبَ اسْتِوَاءُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، لَوْ صَحَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ: أَعْنِي تَعْلِيلَ الْحُرْمَةِ بِالتَّعْرِيضِ لِلرِّقِّ ثُمَّ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ طُولِ الْحُرَّةِ شَرْطٌ أَنْ لَا تَكُونَ جَارِيَةَ ابْنِهِ: أَيْ مِلْكَ الِابْنِ، قَالَ فِي خُلَاصَتِهِمْ: لَوْ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ فَنَزَلَ مِلْكُ وَلَدِهِ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ، وَعِنْدَنَا لَا مِلْكَ لِلْأَبِ مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا وَإِلَّا لَحَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ») أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» الْحَدِيثُ، إلَى أَنْ قَالَ «وَتُتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تُتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ. قَالَ: وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ». قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ الْحَسَنُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُرْسَلًا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: " لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ ". وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ " عَنْ عَلِيٍّ ﵁: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ " وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: " تُتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تُتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ ". وَعَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ. فَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ﵃ تُقَوِّي الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ، ثُمَّ اُعْتُضِدَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ طُرُقُ إضَافَتِهِمْ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ أَضَافُوهُ إلَى مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا﴾ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ طَوْلِ الْحُرَّةِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ) يَعْنِي حُجَّةً جَبْرًا لِأَنَّا أَقَمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهِ بَلْ وُجُوبُ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ بَعْدَ ثِقَةِ رِجَالِهِ، وَلِأَنَّهُ يَرَى حُجِّيَّتَهُ إذَا اقْتَرَنَ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا يَرَى حُجِّيَّتَهُ إذَا أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُنَا كَذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ: يَعْنِي تَعَدُّدَ الْمَخْرَجِ نَظَرَ إلَى بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَوْلًا لَهُ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُوَافِقُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَتْ هَذِهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute