(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ ﷺ «وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» وَلِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إذْ لَا مُنَصِّفَ فِي حَقِّهَا.
(فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يُدْخِلَ غَيْرَهَا فِي قَسْمِهَا.
وَالِانْضِمَامِ إلَى أَمَةٍ سَابِقَةٍ ثُمَّ عَيَّنَ الشَّرْعُ لِلْمَنْعِ حَالَةَ الِانْضِمَامِ إلَى الْحُرَّةِ لِمَا فِي اعْتِبَارِ نَقْصِهَا عَنْ الْحُرَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ. وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ لِزِيَادَةِ غَيْظِ الْحُرَّةِ زِيَادَةً مُعْتَبَرَةً دَخَلَا أَيْضًا، أَمَّا أَصْلُ غَيْظِهَا فَلَا أَثَرَ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ أَيْضًا عَلَى الْأَمَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مِنْ الْأَصْلِ مَا يُورِدُ مِنْ أَنَّ الِانْضِمَامَ يُصَدَّقُ عَلَى مَا إذَا أَدْخَلَ الْحُرَّةَ أَيْضًا عَلَى الْأَمَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُفْسِدَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الِانْضِمَامَ يَقُومُ بِالْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّهُ الْمُنْضَمُّ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَقَدِّمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَنْعَ إدْخَالِ الْأَمَةِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَتَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ يَثْبُتُ لِنَسْلِهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ طُولِ الْحُرَّةِ قَبْلَ نِكَاحِهَا فَلَا يَثْبُتُ لِلنَّسْلِ ذَلِكَ. هَذَا وَأَمَّا حَالَةُ الْمُقَارَنَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عُقْدَةٍ فَيَجْتَمِعُ فِي الْأَمَةِ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ فَتَحْرُمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ لِلْقِيَاسِ، وَيُسْتَدْعَى أَصْلًا يَلْحَقُ بِهِ مَنْصُوصًا أَوْ مَجْمَعًا عَلَيْهِ فَيُمْكِنُ جَعْلُهُ هُنَا تَنْصِيفَ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ إلَخْ) وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ قُيِّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ فِي عِدَّةِ الرُّجْعَى لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَيْسَ الْجَمْعُ لِيَمْتَنِعَ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ كَالْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَإِلَّا حَرُمَ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا بَلْ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ.
لَا يُقَالُ: تَزَوَّجَ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَ وَهِيَ مُبَانَةٌ مُعْتَدَّةٌ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَتَزَوَّجَ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ بَائِنٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا جَازَ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَبِاعْتِبَارِهَا يُعَدُّ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ بِالتَّزَوُّجِ فِيهَا مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ حَرَامًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْحُرُمَاتِ كَالْحَقِيقَةِ احْتِيَاطًا. وَأَمَّا جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَقِيلَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَنْعُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِقِيَامِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِيَبْقَى بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ فِيهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَلِفِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا هُوَ أَنْ لَا يُدْخِلَ عَلَيْهَا شَرِيكَةً فِي الْقَسْمِ، وَلِأَنَّ الْعُرْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute