للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ (فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشَّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ

الَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ) فَيَلْزَمُ إمَّا انْحِصَارُهُ فِي الْفِرَاشِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَإِمَّا اعْتِبَارُ الْفُرُشِ الثَّلَاثَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمَنْكُوحَةِ؛ فَأُمُّ الْوَلَدِ الْحَائِلِ فِرَاشٌ ضَعِيفٌ فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَالْحَامِلُ مُتَوَسِّطٌ لِنَوْعٍ مِنْ التَّأَكُّدِ فَيَمْتَنِعُ، وَحُكْمُهُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ، وَالْمَنْكُوحَةُ هِيَ الْفِرَاشُ الْقَوِيُّ وَهُوَ الْأَوْجُهُ. وَأَوْرَدَ إذَا كَانَ وَلَدُهَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا دَلَالَةً، فَإِنَّ النَّسَبَ كَمَا يَنْتَفِي بِالصَّرِيحِ يَنْتَفِي بِالدَّلَالَةِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ جَاءَتْ بِأَوْلَادٍ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى الْمَوْلَى أَكْبَرَهُمْ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَنْتَفِي نَسَبُ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ اقْتِصَارِهِ فِي الدَّعْوَةِ عَلَى بَعْضِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ دَلَالَةٌ إنَّمَا يَعْمَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَهُنَا كَذَلِكَ. إذْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْحَمْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا.

(قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا) هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْجَوَازِ بِنَفْيِ جِنْسِ عِلَّةِ الْمَنْعِ مِنْ التَّزْوِيجِ فَضْلًا عَنْ نَفْيِهَا بِعَيْنِهَا فَلِذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ مُطْلَقًا يَمْنَعُ وَإِلَّا لَمَنَعَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْحَائِلِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِرَاشٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْقَوِيُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالتَّأَكُّدِ لَا مُطْلَقَ الْفِرَاشِ، ثُمَّ بَيَّنَ نَفْيَ الْفِرَاشِ بِنَفْيِ حَدِّهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لَا الْحَتْمِ، وَلَيْسَ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى مَذْكُورًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِالِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَازَ) يَعْنِي جَازَ النِّكَاحُ بِدُونِ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ الْمَوْلَى، فَإِنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ فِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>