كَمَا فِي الشِّرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا.
وَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ﵀ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَا أُحِبُّ لَهُ: أَيْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، لِأَنَّهُ اُحْتُمِلَ الشَّغْلُ بِمَاءِ الْمَوْلَى.
هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، فَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَطْءُ الزَّوْجِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ اتِّفَاقًا. وَقَدْ وَفَّقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ نَفَى الِاسْتِحْبَابَ وَهُمَا أَثْبَتَا جَوَازَ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَا نِزَاعَ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْجَامِعِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ. وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى أَصْلًا، وَفِيهِ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِالِاسْتِحْبَابِ لِلزَّوْجِ. قِيلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ السَّوْقِ. وَصَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا يُخَالِفُهُ. ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدِ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ أَصْلَ قِيَاسِهِ الشِّرَاءُ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى بِالْقِيَاسِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ فَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الِاسْتِحْبَابَ.
وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِحْبَابِ، وَدَلِيلُهُ يُوجِبُ أَنَّ مُرَادَهُ الْوُجُوبُ، فَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَا لَا يُطَابِقُ الدَّعْوَى أَبْعَدُ مِنْ إطْلَاقِ أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي وَاجِبٍ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُ الْمُتَقَدِّمُونَ: أَكْرَهُ كَذَا فِي التَّحْرِيمِ أَوْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَأُحِبُّ مُقَابِلُهُ، فَجَازَ أَنْ يُطْلِقَ فِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ. ثُمَّ لَوْ أَوْرَدَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّ التَّوَهُّمَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْوُجُوبِ بَلْ لِلنَّدْبِ كَمَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ عَقِيبَ النَّوْمِ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفُرُوجِ، أَمَّا فِيهَا فَالْمَعْهُودُ شَرْعًا جَعْلُهُ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ، وَمِنْهُ نَفْسُ أَصْلِ هَذَا الْقِيَاسِ، فَإِنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ إلَّا تَوَهُّمُ الشَّغْلِ بِالْمَاءِ الْحَلَالِ. وَاعْتِبَارُ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ عِلَّةٌ إنَّمَا هُوَ لِضَبْطِهِ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَال مِنْ عِنْدِ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ) أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثَابِتٌ فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ وَمَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: جَوَابُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ طَرْدٌ لَا نَقْضٌ، فَإِنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَتَيْنِ بِالْمُقْتَضَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ إلَّا أَنَّ الْوَطْءَ هُنَاكَ حَرُمَ لِوُجُودِ الشَّغْلِ حَقِيقَةً كَيْ لَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَدُلَّ جَوَازُ النِّكَاحِ هُنَاكَ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ لِلْحَمْلِ، أَمَّا هُنَا لَا حَمْلَ حَقِيقَةً، فَلَوْ كَانَ إنَّمَا كَانَ حُكْمًا وَشَرْعًا فَكَانَ جَوَازُ النِّكَاحِ شَرْعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute