للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْغَسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَسْحُ هُوَ الْإِصَابَةُ. وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا (وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ،

لِتَخْرِيجِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِهِ عَلَى الْمُطَّرَدِ، بِخِلَافِ تَخْرِيجِ الْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ.

وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّ الْعَرَبَ إذَا اجْتَمَعَ فِعْلَانِ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى وَلِكُلٍّ مُتَعَلَّقٌ جَوَّزَتْ حَذَفَ أَحَدِهِمَا وَعُطِفَ مُتَعَلَّقُ الْمَحْذُوفِ عَلَى مُتَعَلَّقِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ مُتَعَلَّقُهُ كَقَوْلِهِمْ: مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا، وَتَقَلَّدْت بِالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ، وَعَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، وَالْحَمْلُ عَلَى الْجِوَارِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا كَلَامٍ فَصِيحٍ انْتَهَى

إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ إعْرَابُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي عَلَفْتهَا وَسَقَيْتهَا، وَهُنَا الْإِعْرَابُ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا قَالَ يَكُونُ الْأَرْجُلُ مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُولُ اغْسِلُوا الْمَحْذُوفُ فَحِينَ تُرِكَ إلَى الْجَرِّ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِمُجَاوِرَةِ إعْرَابِ الرُّءُوسِ، فَمَا هَرَبَ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ.

فَإِنْ قُلْت: حَاصِلُ هَذَا تَجْوِيزُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّصِّ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَتَجْوِيزُهُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَهُ بَلْ حَتَّى تُوجِبَهُ قَرِينَةٌ كَتَعْيِينِ بَعْضِ مَفَاهِيمِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا.

فَالْجَوَابُ: بَلْ ثَابِتٌ، وَهُوَ إطْبَاقُ رُوَاةِ وُضُوئِهِ عَلَى حِكَايَةِ الْغُسْلِ لَيْسَ غَيْرُ، فَكَانَتْ السُّنَّةُ قَرِينَةً مُنْفَصِلَةً تُوجِبُ إرَادَةَ اسْتِعْمَالِ الْمُوَافِقِ لَهَا بِالنَّصِّ، هَذَا. وَقَدْ وَرَدَ الْحَمْلُ عَلَى الْجِوَارِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ.

فَإِنْ صَحَّتْ وَقُلْنَا بِجَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ وَلَا كَلَامٌ فَصِيحٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْإِطْلَاقُ، وَالْمَنْعُ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاوِي عَرَبِيًّا فَنَعَمْ أَوْ عَجَمِيًّا فَلَا.

وَحَلَّ النَّصْبُ عَلَى حَالَةِ ظُهُورِ الرِّجْلِ وَالْجَرِّ عَلَى الْمَسْحِ حَالَةَ اسْتِتَارِهَا بِالْخَلْفِ حَمْلًا لِلْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْحَالَتَيْنِ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَع: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى الْخُفِّ لَيْسَ مَاسِحًا عَلَى الرِّجْلِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، لِأَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ أُزِيلَ بِالْمَسْحِ فَهُوَ عَلَى الْخُفِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (قَوْلُهُ: وَالْغَسْلُ الْإِسَالَةُ) يُفِيدُ أَنَّ الدَّلْكَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَيْهِ، وَمَرْجِعُهُمْ فِيهِ قَوْلُ الْعَرَبِ غَسَلَتْ الْمَطَرُ الْأَرْضَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِسَالَةُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِأَنْ وَقَعَهَا مِنْ عُلُوٍّ خُصُوصًا مَعَ الشِّدَّةِ وَالتَّكْرَارِ: أَيْ دَلَكَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَهُ إلَّا إذَا نُظِّفَتْ الْأَرْضُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلْكٍ، وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْغُسْلِ وَهُوَ تَحْسِينُ هَيْئَةِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ تَخْفِيفًا، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الْكُلُّ، وَالنَّاسُ بَيْنَ حَضَرِيٍّ وَقَرَوِيٍّ خَشِنِ الْأَطْرَافِ لَا يُزِيلُ مَا اسْتَحْكَمَ فِي خُشُونَتِهَا إلَّا الدَّلْكُ، فَالْإِسَالَةُ لَا تُحَصِّلُ مَقْصُودَ شَرْعِيَّتِهَا، ثُمَّ حَدُّ الْإِسَالَةِ الَّتِي هِيَ الْغُسْلُ: أَنْ يَتَقَاطَرَ الْمَاءُ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْزِئُ إذَا سَالَ عَلَى الْعُضْوِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ

(قَوْلُهُ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ) خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا طُولُهُ مِنْ مَبْدَإِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى أَسْفَلِ اللَّحْيَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصْلَعَ لَا يَجِبُ مِنْ قِصَاصِهِ، وَيُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الصَّلْعَةِ فِي الْأَصَحِّ وَالْقِصَاصُ مُثَلَّثٌ الْقَافِ

(قَوْلُهُ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) يُعْطِي ظَاهِرُهُ وُجُوبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>