وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ
إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَمُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ ﷺ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ. وَالْأَيِّمُ: مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لِأَبِي عُبَيْدَةَ فِي أَمْثَالِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ: كُلُّ ذَاتِ بَعْلٍ سَتَئِيمُ. يُضْرَبُ لِتَحَوُّلِ الزَّمَنِ بِأَهْلِهِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْأَوَّلِ
:
أَفَاطِمُ إنِّي هَالِكٌ فَتَثَبَّتِي … وَلَا تَجْزَعِي كُلُّ النِّسَاءِ تَئِيمُ
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا رَضِيَتْ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ، فَبَعْدَ هَذَا إمَّا أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا رَوَوْا حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ أَوْ طَرِيقَةُ الْجَمْعِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَرَجَّحُ هَذَا بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّهُمَا: إمَّا ضَعِيفَانِ: فَحَدِيثُ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» مُضْطَرِبٌ فِي إسْنَادِهِ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَإِرْسَالِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَسَمَّى جَمَاعَةً مِنْهُمْ إسْرَائِيلُ وَشَرِيكُ، رَوَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. وَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَزَيْدُ بْنُ حِبَّانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ فِي إرْسَالِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بُرْدَةَ لَمْ يَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَشُعْبَةُ وَسُفْيَانُ أَضْبَطُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ. قَالَ: وَأَسْنَدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْ سُفْيَانَ وَلَا يَصِحُّ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَسْأَلُ أَبَا إِسْحَاقَ أَسَمِعْت أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» قَالَ نَعَمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إلْزَامِيٌّ، أَمَّا عَلَى رَأْيِنَا فَلَا يَضُرُّ الْإِرْسَالُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ.
وَإِمَّا حَسَنَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ وَصْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْلَ وَالرَّفْعَ مُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ أَحْفَظَ مِنْ غَيْرِهِمَا، لَكِنَّ حِكَايَةَ شُعْبَةَ تُفِيدُ أَنَّهُمْ سَمِعَاهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ظَاهِرًا وَغَيْرُهُمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ فِي مَجَالِسَ. وَفِي الثَّانِي أَنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَنْسَى الْحَدِيثَ وَلَا يُعَدُّ قَادِحًا فِي صِحَّتِهِ بَعْدَ عَدَالَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَثِقَتِهِ. وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أَشْهَرُهَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ ذَكَرَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute