للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ. وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا

(وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ . لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالصَّغِيرَةِ وَهَذَا لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ

حَدِيثًا فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَنْتَ حَدَّثْتَنِي بِهِ عَنْ أَبِيك فَكَانَ سُهَيْلُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي عَدَمِ التَّكْذِيبِ، أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ بِأَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْت ذَلِكَ فَنَصُّوا فِي الْأُصُولِ عَلَى رَدِّهِ.

وَفِي حِكَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ إيَّاهَا فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك، قَالَ: فَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ خَيْرًا وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ اهـ.

فَهَذَا اللَّفْظُ فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُفِيدُ مَعْنَى نَفْيِهِ بِلَفْظِ النَّفْيِ. وَأَمَّا مَا ضَعَّفَهُ بِهِ مِنْ أَنَّ عَائِشَةَ رَاوِيَتُهُ عَمِلَتْ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِّ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ، فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْته، فَاسْتَمَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا فَأُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ وَمَهَّدَتْ أَسْبَابَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ أَشَارَتْ إلَى مَنْ يَلِي أَمْرَهَا عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهَا أَنْ يَعْقِدَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا فَتَشْهَدُ، فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا: زَوِّجْ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ. وَفِي لَفْظٍ: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَنْكِحْنَ. أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ.

وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالتَّقْدِمَةُ لِلصَّحِيحِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ.

وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ إعْمَالُ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ فَبِأَنْ يُحْمَلَ عُمُومُهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَذَلِكَ سَائِغٌ، وَهَذَا يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بَعْدَ جَوَازِ كَوْنِ النَّفْيِ لِلْكَمَالِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ «فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا تَلِي وَلَا يَنْكِحْنَ» فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ. وَبِأَنْ يُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ يُتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ، أَيْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِيَنْفِيَ نِكَاحَ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ وَالْأَمَةَ وَالْعَبْدَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْحَدِيثِ عَامٌّ غَيْرُ مُقَيَّدٍ.

وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَتِمُّ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الْجَامِعِ لِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَالْوَلِيِّ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي فَصْلِ الشَّهَادَةِ، وَيَخُصُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفْءِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، أَوْ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ، وَيَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ، كُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ فِي إطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا، عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إذَا أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَثَبَتَ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) مَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ أَهُوَ الصِّغَرُ أَوْ الْبَكَارَةُ؟ فَعِنْدَنَا الصِّغَرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ، فَانْبَنَى عَلَى هَذِهِ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ فَدُخِلَ بِهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>