قُلْنَا: لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ.
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَإِنَّهُ أَعْلَى وَأَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ
الْحُرَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِحَاجَتِهَا وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرِّيَّةِ دَفَعَ سَلْطَنَةَ الْغَيْرِ وَهُوَ تَزْوِيجُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ ﵄ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ، وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَبِ لِيَلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلِذَا يُقَدَّمُ وَصِيُّ الْأَبِ عَلَيْهِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ. قُلْنَا: بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ عَادَةً، وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْأَبِ بِالنَّصِّ بِعِلَّةِ إحْرَازِ الْكُفْءِ إذَا ظَفِرَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ لَا يَظْفَرُ بِمِثْلِهِ إذَا فَاتَ بَعْدَ حُصُولِهِ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَدِّ.
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِمَا مُخِلٌّ بِهَا لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ لِبُعْدِ قَرَابَتِهِ وَدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ سَالِبًا لِلْوِلَايَةِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وِلَايَتِهِ فِي الْمَالِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ وَهُوَ أَدْنَى مِنْ النَّفْسِ فَسَلْبُهَا فِي النَّفْسِ أَوْلَى. وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَالْيَتِيمَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ» وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، فَرَدَّهَا ﷺ وَقَالَ: إنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَإِنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَتَأْثِيرُ هَذَا الْوَصْفِ أَنَّ مُزَوِّجَهَا قَاصِرُ الشَّفَقَةِ حَتَّى لَمْ تَثْبُتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ الْآيَةَ مَنَعَ مِنْ نِكَاحِهِنَّ عِنْدَ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ فِيهِنَّ، وَهَذَا فَرْعُ جَوَازِ نِكَاحِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ نِكَاحِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَاتِ مُطْلَقًا، فَمُنِعَ مِنْ هَذِهِ عِنْدَ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ فِيهِنَّ، فَعِنْدَ عَدَمِهِ يَثْبُتُ الْجَوَازُ بِالْأَصْلِ الْمُمَهَّدِ لَا مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ، وَيُصَرِّحُ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا قَوْلُ عَائِشَةَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا يَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَلَا يُقْسِطُ فِي صَدَاقِهَا فَنَهَوْا عَنْ نِكَاحِهِنَّ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِنَّ سُنَّتَهُنَّ فِي الصَّدَاقِ، وَقَالَتْ فِي قَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute